العلاقات بين المنظمات الأهلية والدولة:
المطلوب نظرة وممارسة جديدتين (بقلم عمر طرابلسي)
أطلق العديد من الوزراء والنواب خلال الشهر المنصرم تصريحات وبيانات شددت على أهمية التعاون بين الحكومة والمؤسسات الأهلية غير الحكومية، وعلى ضرورة الدعم الحكومي للعمل الدؤوب والدور المتنامي للمجتمع الأهلي في قطاعات مختلفة مثل الصحة والتعليم والرعاية.
أكد وزير العدل، السيد سمير الجسر، أهمية التعاون الوطيد بين مؤسسات المجتمع المدني والدولة، وهو بحسب قول الوزير يعكس أساس الممارسات الديمقراطية والثقة بين الدولة والشعب، ومن شأنه أن يعزز المشاركة العامة في الإدارة المحلية. جاء تأكيد الوزير في تجمع شعبي أقيم في الذكرى الخمسين لإنشاء جمعية الخدمات الاجتماعية في طرابلس، قائلا، "صحيح أنه لا بديل عن الدولة وأن ما من أحد يحل محل الدولة، لكن الواضح هو الحاجة الملحة إلى مؤسسات المجتمع المدني كعنصر مكمل لعمل الدولة، يقوم بما يحمل من اندفاع ومن تطوع وبما يتضمن من تمثيل شعبي ومعرفة بمواقع الحاجة والحرمان نتيجة تواصل هذه المؤسسات مع محيطها على تقديم خدمة أفضل وأجدى وأسرع وربما بكلفة أقل." وأوضح أن "البيان الوزاري لهذه الحكومة ركز على التعاون بين العمل الحكومي والعمل الأهلي كخيار أساسي لمسيرة الحكم، وأن هذا الأمر لم يبق كلاما طيبا في إطار البيان الوزاري بل جرت ترجمته عمليا من خلال الموازنة التي رصدت لوزارة الشؤون الإجتماعية مبلغا يزيد على 106 مليارات ليرة لبنانية والذي يشكل من أصل الموازنة ما نسبته 1.07 بالمئة من مجملها. علما أن حصة دعم الجمعيات والمؤسسات الخيرية بلغ وحده ما يزيد على 100 مليار ليرة لبنانية." (المستقبل، 10/6/2001)
ومن جهة أخرى، أشاد السيد جان لوي قرداحي، وزير الاتصالات، خلال افتتاح مركز صحي في كسروان بإدارة بلدية نهر إبراهيم، وبدور البلديات ومؤسسات المجتمع المدني المركزي في إنعاش الحياة الاقتصادية وتطوير العلاقات الاجتماعية الفاعلة. وأوضح أن جهود الحكومة لتشجيع ودعم نشاطات البلديات من خلال القانون الجديد لإلغاء المركزية والذي يمنح البلديات صلاحيات إضافية من شأنها زيادة النمو ورفع مستوى مشاركة المجتمع المدني في النشاطات الاجتماعية والثقافية والتعليمية المختلفة.
ومن جهته، وزير البيئة السيد ميشال موسى أعلن، خلال احتفال رسمي نظمته وزارة البيئة لإحياء اليوم العالمي للبيئة، أن الآمال معلقة على التعاون والتكامل مع مؤسسات المجتمع المدني في قضايا البيئة. وأضاف أنه من غير الممكن معالجة قضايا البيئة بالقوانين فقط. وشدد الوزير على الدور الأساسي لوزارة البيئة وللهيئات الأهلية والجمعيات التطوعية في توعية المجتمع وتوجيهه من خلال التعاون مع الإعلام. ويشكل هذا التعاون أحد أسس استراتيجية عمل وزارة البيئة.
إن هذه المواقف الرسمية جديرة بالتقدير لأنها تشكل خطوة مشجعة نحو تطوير العلاقات بين الدولة والمنظمات الأهلية، وتعطي انطباعاً إيجابياً من حيث اعتراف الحكومة ودعمها لدور المنظمات الأهلية الديناميكي والمهم في الميادين الاجتماعية والتنموية. وتتفق جميع الجهات المعنية على أن التعاون الأكثر ترابطاً بين الحكومة والمنظمات الأهلية ضروري لمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتعددة، ولا ننس تلك المشاكل المتعلقة بالجندر، أو النوع الاجتماعي، والتي تعترض الرجال والنساء على حد سواء في لبنان. لكن على الرغم من هذه التصريحات المشجعة والصادرة عن مسؤولين رفيعي المستوى، فإننا نجدها تتعارض فعلياً مع بعض الممارسات التي تكشف عن عدم رسوخ ثقة الحكومة، والتردد أو في أفضل الحالات عن غياب التزام فعلي من شأنه أن يحسن العلاقات مع المنظمات الأهلية. وتتفاوت ممارسات الحكومة السلبية بين اعتقال أعضاء المنظمات الأهلية وغيرها من النشاطات والممارسات القضائية والتشريعية المعيقة لتنمية نشاطات هذه المنظمات.
وقد اخترنا عرض أمثلة قليلة عن هذه الممارسات، نذكر منها على سبيل المثال، الممارسات التي تنفذها قوات الأمن على أعضاء بعض الجمعيات البيئية والتي تعنى بحقوق الإنسان، ومنها مؤخراً اعتقال ناشطين في منظمة <<غرين بيس>> Greenpeace لمدة قصيرة. ويجري تفصيل هذه الحادثة لاحقاً في النشرة.
وتواجه بعض الجمعيات أيضاً بعض المصاعب في الإستحصال على اعتراف رسمي لتشكيل مجموعة ضغط مطلبية. فبعض هذه الجمعيات التي تتمتع بعقد تمويل مشترك مع وزارة الشؤون الإجتماعية قد ارتأت رص الصفوف من أجل التفاوض جماعياً للحصول على شروط أفضل للتعاقد، آخذين بعين الاعتبار تدهور شروط العقود السابقة. ولم توافق وزارة الداخلية على الاعتراف بهذه المجموعة، ومرد ذلك على الأرجح تجنبها استحداث سابقة قانونية حول عمل مجموعات الضغط. أما الحادثة الثالثة فلها علاقة بالضائقة المالية التي واجهتها مؤسسة الأمل للمعوقين عقلياً في فواتير الكهرباء المتوجبة عليها. وتأتي هذه الواقعة على خلفية تشريعات جديدة مناسبة تمنح تخفيضات كبيرة في فواتير الكهرباء للمنظمات الأهلية العاملة مع المعوقين. وقد قامت مؤسسة الأمل بالتقدم بطلب استرحام من خلال وسائل الإعلام وقد توجت الحملة برد إيجابي من وزارة الكهرباء. فقد أعلنت الوزارة أنها أعلمت إدارة مؤسسة كهرباء لبنان تفعيل النص التشريعي رقم 220 الصادر بتاريخ 8/6/2000، والذي ينص على تخفيض بنسبة 75% فواتير الكهرباء للمؤسسات الخيرية العاملة مع المعوقين.
ويبدو جلياً أن مسؤولية التقدم لتطوير العلاقات بين الحكومة والمنظمات الأهلية تقع على عاتق كل من الحكومة ومنظمات المجتمع الأهلي. غير أن الحكومة مطالبة بإظهار القناعة والإستعداد من خلال خلق البيئة والشروط المناسبة لبناء علاقات بناءة بين الفريقين. ويتطلب هذا الأمر من الحكومة تخطي تخوفاتها الحالية في علاقاتها مع المجتمع الأهلي وترجمة أقوالها وتصريحاتها بالعمل والممارسة.
ويمكننا في هذه المرحلة التشديد على ما سبق وأكده العديد من الناطقين باسم منظمات المجتمع الأهلي:
* على الحكومة أن تعتمد حواراً بناءً وموقفاً إيجابياً من المنظمات الأهلية في مختلف الوزارات وعلى كافة مستويات البنى الحكومية.
* الحكومة مطالبة أيضاً أن تصيغ قوانين جديدة تعزز وتدعم حقوق المؤسسات الأهلية، وتشرع بطريقة أكثر شفافية وفعالية عمل هذه المؤسسات. كما وتركز على مسؤولية كل منها أمام منشئيها والرأي العام. وتبرز الحاجة إلى إصدار قانون أساسي للمنظمات الأهلية مماثل للقانون الصادر للمعوقين كإحدى الخيارات المتاحة هنا.
* وقد عرض في مثل هذا السياق على مجلس النواب مؤخراً اقتراح قانون يضمن للمنظمات غير الحكومية الحق في رفع الدعاوى القضائية عند خرق أي قانون بيئي. ومن جهة أخرى، فإن ثمة تحرك إيجابي مشترك ظهر أخيرا بين المنظمات غير الحكومية والبرلمان لمراجعة القانون الذي يمنح صفة المنفعة العامة للمنظمات والمؤسسات الأهلية.
* ضرورة أن تعتمد الوزارات الضالعة في المشاريع والبرامج مع المنظمات الأهلية إلى تطوير معايير واضحة وشفافة وآليات اختيار ومراقبة وتقييم لهذه المشاريع والبرامج.
* وأخيراً وليس آخراً، تقع على عاتق الحكومة وبشكل خاص الوزارات الناشطة مع المنظمات غير الحكومية مسؤولية القيام بالمزيد من الجهود المنتظمة لإشراك هذه المنظمات والهيئات الأهلية في عملية التخطيط الاستراتيجي وصياغة البرامج.