مؤتمر دربان لمناهضة العنصرية وغياب التمثيل الأهلي اللبناني
استأثر مؤتمر دربان الدولي لمناهضة العنصرية الذي عقد تحت رعاية الأمم المتحدة في جنوب إفريقيا ما بين 31 آب و7 أيلول باهتمام كبير من العاملين في الحقلين المدني/الأهلي والرسمي عموماً والبلدان العربية خصوصاً.
ومن أسباب هذا الاهتمام أولا،ً تفشي ظاهرة العنصرية والتمييز في العالم وضرورة الوقوف في وجهها؛ وثانياً بروز شرخ واضح بين معسكرين، أحدهما غربي وآخر يضم معظم البلدان النامية، ويتمحور حول قضيتي مساواة الصهيونية بالعنصرية والرق والمطالبة بالتعويضات. وقد طغت هاتان القضيتان على مجمل أعمال المؤتمر الدولي التي دارت ضمن مسارين، الأول رسمي بحضور وفود الدول المشاركة، في حين أن الآخر أهلي غير حكومي عالمي ضم آلاف العاملين والنشطاء في أكثر من 3000 منظمة أهلية أو غير حكومية. ووفقاً لجدول أعمال المؤتمر، كان من المقرر التطرق إلى جملة من المسائل المتنوعة والمتصلة بالعنصرية والتمييز والإقصاء مثل حقوق الشعوب الأصلية وحقوق البدو والغجر والمهجرين ونظام الفصل والتمييز بين الطوائف الاجتماعية في الهند ومسألة اللاتسامح الديني والتسلح والإيدز والمساواة بين الرجل والمرأة إلخ... إلا أن قضيتين سيطرتا على مجمل المؤتمر الدولي هما وصم إسرائيل بالعنصرية والتعويضات لإفريقيا عن الرق، وقد أدتا إلى خلق انقسام حاد بين المشاركين داخل كل من المؤتمر الرسمي والمؤتمر الموازي.
وجاءت النتائج مختلفة في كل من المؤتمرين المذكورين أعلاه. إذ خرج المؤتمر الموازي بتوصيات أدانت إسرائيل لممارستها العنصرية وغير الإنسانية بحق الفلسطينيين بصورة واضحة. وشكل البيان النهائي للمؤتمر الموازي صفعة قوية لإسرائيل وحليفتها أميركا وانتصاراً مدوياً لجهود المنظمات غير الحكومية العربية والفلسطينية خاصة تلك التي نجحت في مسعاها على الرغم من الضغوط الهائلة والتهديدات الأميركية الرسمية وغير الرسمية. في حين فشل تحالف الدول العربية والإسلامية في تحقيق أي اختراق على الجبهة نفسها في المؤتمر الدولي الرسمي. وكانت المجموعة العربية قد صرحت قبل انعقاد المؤتمر عن عزمها العمل على اعتماد قرارات تدين إسرائيل لسياستها العنصرية غير الإنسانية. لكن انسحاب أميركا وإسرائيل من المؤتمر الرسمي والضغوط الشديدة التي تولت فرضها الدول الأوروبية فيما بعد، أدت إلى انصياع الدول العربية للإرادة الغربية.
في الساعات الأخيرة من المؤتمر بذلت كل من سوريا وإيران جهوداً حثيثة وحتى النهاية لإدخال بعض التعديلات على الوثيقة النهائية لإدانة إسرائيل جهارة. لكن هذه الجهود المنفردة عجزت عن ثني المواقف الغربية أو تصليب المواقف العربية والإسلامية.
أما حول مسألة إدانة الرق والتعويضات لإفريقيا فقد توصل المؤتمر الدولي الرسمي إلى صيغة وسطية قضت باعتراف المجتمع الدولي بأن الرق الذي عانت منه الشعوب الإفريقية لعصور طويلة على يد تجار الرق الأوروبي والعرب أيضاً شكل جريمة كبيرة ضد الإنسانية. ولقاء هذا الاعتراف الدولي تراجعت الدول الإفريقية عن مطلبها بدفع تعويضات لإفريقيا عن تجارة الرق بعد أن جوبهت برفض تام من الدول الغربية الكبرى.
وشكل المؤتمر الموازي بنظر المراقبين علامة مضيئة دلت على حيوية المنظمات الأهلية غير الحكومية وجراءتها في طرح المسائل والحلول على خلاف ميوعة المواقف الرسمية وعلى الرغم من بعض نقاط الضعف في الإعداد والتنظيم. ولا يقلل من أهمية هذا النجاح كون نتائج المؤتمر الموازي ذات تأثير محدود على السياسات الدولية.
وفي الختام لفت اهتمام "مجال" الغياب شبه التام للحضور الأهلي اللبناني. فاللائحة الرسمية للمنظمات غير الحكومية المعتمدة للمؤتمر الدولي الموازي لم تضم سوى منظمتين من لبنان هما الجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان والمنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان (حقوق) وفي حين شاركت الثانية في المؤتمر الموازي وعلى الرغم من ضعف إمكانياتها الذاتية فقد تغيبت الأولى دون أي سبب واضح. ويجدر بالذكر أيضاً أن ممثلين آخرين من جمعيات لبنانية قد حضروا المؤتمر ضمن وفد الشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية للتنمية التي كانت بدورها ممثلة ضمن إطار تحالف عالمي أوسع للمنظمات غير الحكومية.
إن الغياب الملفت للقطاع الأهلي في لبنان يطرح تساؤلات عدة منها:
1) مدى مشاركة هذا القطاع الأهلي بهواجس واهتمامات عالمية رئيسية مثل العنصرية والإقصاء والتمييز وتفاعل هذا القطاع وتضامنه مع الشعوب الأخرى وقضاياها.
2) هل أن الشعب اللبناني نفسه غير معني بقضايا جديرة بالبحث كالتمييز والإقصاء والعنصرية ومنزه منها؟ ماذا عن نظرة بعض اللبنانيين المتعالية تجاه الآخر، لبنانيين ولبنانيات كانوا، أم عرباً، سوريين وسوريات، فلسطينيين وفلسطينيات؛ أو كادحين وكادحات من إفريقيا وجنوب آسيا؟ أتراها لا تتسم "بشيء" من العنصرية؟