حمّل الملف

من جنوى إلى الدوحة عبر بيروت:
تحركات أهلية عالمية جديدة مناهضة لمنظمة التجارة الدولية
(بقلم عمر طرابلسي)

أعلن تحالف كبير مؤلف من منظمات غير حكومية لبنانية وعربية وأجنبية عن نيته تنظيم اعتصامات حاشدة في بيروت إقامة منتدى عالمي بديل للمنظمات غير الحكومية في العاصمة اللبنانية يتلازم والوقت الذي حدد لإنعقاد مؤتمر منظمة التجارة الدولية في الدوحة. كشف ذلك في الإعلان الصادر عن شبكة المنظمات غير الحكومية العربية للتنمية (وهي مظلة لتجمع مؤلف من 45 منظمة من 12 بلد عربي) وعن التجمع اللبناني حول منظمة التجارة الدولية وعن ممثلي منظمات أجنبية تنتمي إلى الحركة العالمية لمناهضة العولمة. جاء الإعلان خلال مؤتمر صحفي عقد كجزء من الإجتماع التحضيري الذي ضم ليوم واحد الأطراف المعنية الثلاث في بيروت. وقد اقتصر الحضور في الإجتماع التحضيري هذا على عدد محدود من المنظمات غير الحكومية اللبنانية، إضافة إلى قليل من ممثلي المنظمات العربية والأجنبية.
وسوف ينعقد المنتدى العالمي البديل للمنظمات غير الحكومية بصورة متوازية في 6 و7 و8 تشرين الثاني، أي قبل يوم واحد من انعقاد مؤتمر الدوحة الذي من المقرر أن يبدأ أعماله في التاسع من تشرين الثاني.
وشرح منظمو المنتدى العالمي للمنظمات غير الحكومية أن هذا الحدث يأتي ضمن إطار حركة عالمية متنامية تعارض السياسات والأولويات التي تمارسها الشركات الدولية العملاقة وهيمنتها على التجارة العالمية بالتحالف مع حفنة من البلدان التجارية.
وتدعو هذه الحركة إلى ضرورة إصلاح وتصحيح معاهدات التجارة العالمية بغية جعلها أكثر توازنا وعدلا، كما تهدف إلى دمج رؤيا تنموية أوضح من شأنها السماح لتوزيع أعدل للموارد حول العالم.
ومن ناحيته، يضم التجمع اللبناني المنظمات والهيئات التالية:
ملتقى الهيئات الإنسانية غير الحكومية في لبنان، تجمع الهيئات الأهلية التطوعية في لبنان، المنظمات غير الحكومية العاملة في الوسط الفلسطيني، المجلس النسائي اللبناني، لجنة حقوق المرأة، اتحاد المعوقين اللبنانيين، الجمعية الوطنية لحقوق المعاق، العمل القاعدي، نقابة العمال الزراعيين في لبنان، تجمع مزارعي الجنوب، اتحاد الصناديق التعاضدية في لبنان، ومنظمة المعاقين العرب. أما الهيئات الأجنبية المشاركة فتتضمن منظمات مناهضة للعولمة كأصدقاء الأرض Friends of Earth وPublic Citizen (مجموعة أميركية تدافع عن حقوق المستهلك يترأسها رالف نادر) والATTAC.
وخلال المؤتمر الصحافي عرض التحالف أهداف المنتدى الدولي وهي كالآتي:
تنظيم لقاءات مفتوحة وشعبية في جميع أنحاء البلاد حول موضوع منظمة التجارة الدولية وحول التحديات التي تواجه البلدان النامية والعالم العربي ولبنان.
عقد إجتماعات مختصة ومركزة لمناقشة مسائل متعلقة بمنظمة التجارة الدولية وغيرها من القضايا التنموية.
تحضير خطة إعلامية للنشاطات التي سوف تعقد في هذه المناقشة.
إقامة مركز إعلامي لمتابعة جميع النشاطات المتعلقة بالمنتدى العالمي الموازي والبديل إضافة إلى نشاطات مؤتمر منظمة التجارة الدولية المنعقد في الدوحة.
كما أطلق القيمون على المنتدى العالمي إعلان مبادئ عامة وضعتها اللجنة التحضيرية اللبنانية، حددت فيه موقف التجمع حيال منظمة التجارة الدولية ومؤتمر الدوحة.
يغطي الإعلان ثلاث محاور رئيسة هي:
1) الرؤيا المشتركة للتحالف ونظرته الواحدة للسياق العام المحيط.
2) مطالب هذا التحالف.
3) النشاطات المحددة.
ويقدم القسم المتعلق بالسياق وصفا وجيزا للوضع الاقتصادي العالمي وخاصة لشروط التجارة الحالية غير العادلة والقائمة بين الشركات العالمية والقوى الاقتصادية الكبرى من جانب وبين دول العالم الثالث بما فيها الدول العربية من جانب آخر. كما يأتي على ذكر الجهود المبذولة لتصحيح الوضع القائم والحشود المناهضة لمنظمة التجارة الدولية التي اجتاحت سياتل العام الماضي.
أما بالنسبة للمطالب التي تضمنها البيان فيمكن ملاحظة ما يلي:
على الصعيد الدولي
1) وقف أي توسع جديد لنطاق عمل منظمة التجارة الدولية والذي قد يطال قطاعات يترتب عنها نتائج اجتماعية واقتصادية سلبية في البلدان النامية وفي معيشة المجتمعات الأهلية.
2) حماية الحقوق والتقديمات الاجتماعية.
3) إعادة البحث بشروط الملكية الفكرية والتي هي غير ملائمة للدول النامية.
4) إلغاء الإتفاقات المتعلقة بالزراعة.
5) التركيز أكثر على المصاعب التي تواجه الدول النامية في مواجهة التحديات التي تطرحها عولمة الإقتصاد والتجارة.
6) إعادة النظر في آليات منظمة التجارة الدولية الداخلية والإجراءات المتبعة لحل النزاعات بغية جعلها أكثر شفافية وديمقراطية.
على الصعيد العربي
بذل جهود أكبر لتحقيق الوحدة الإقتصادية وتفعيل الإستثمار، والتنمية والبحوث العلمية والتقنية. إضافة إلى تطبيق الإصلاح السياسي والإجتماعي القائم على مفهوم مختلف للتنمية والذي يعتمد على الإنسان ركيزة لتحقيق تنمية تشاركية ومستديمة.
على الصعيد اللبناني
1) ضرورة الخوض في مراجعة جريئة ونقدية للسياسات الإقتصادية الحالية وخاصة في المسائل المتعلقة بالخصخصة، والدعم للمنتوجات الزراعية، والتعرفة الجمركيةلحماية المنتوج المحلي، وحماية الشركات الوطنية والقوى العاملة واعتماد سياسة ضرائبية تسمح بتوزيع أفضل للمداخيل، فضلا عن سياسات الرعاية الإجتماعية والصحة.
2) إجراء مراجعة اقتصادية وإجتماعية شاملة من شأنها أن تؤدي إلى تحقيق إصلاح سياسي وإداري شامل.
إن كل ما تم ذكره سابقا يبعث بالمرء إلى إثارة عدد من الأسئلة والملاحظات نبرز منها ما يلي:
إن إثارة المنظمات اللبنانية غير الحكومية موضوع منظمة التجارة الدولية والعولمة بمناسبة انعقاد مؤتمر الدوحة، هو دون شك عمل إيجابي يثنى عليه. والملفت أيضا هو الموقف المنفتح الذي تظهره حتى الآن الحكومة اللبنانية تجاه عمل المنظمات غير الحكومية الناشط في المناصرة لقضايا ذات أبعاد سياسية كبيرة.
كيف يمكن توسيع عملية التحضير وإشراك المنظمات غير الحكومية بصورة فعلية، على الرغم من أن عدد الجمعيات المنضوية ضمن هذه المبادرة كبير نسبيا، بينما اقتصر الحضور في الإجتماع التحضيري على عدد محدود، واستثنيت بعض الأطراف الأخرى الفاعلة.
ان مراجعة نص البيان يطرح تساؤلا حول مدى العمق الذي بلغه البحث بالقضايا العربية واللبنانية المستعرضة، ودرجة الإتفاق الذي يمكن الوصول إليه بحيث يتم تجاوز مجرد النقاط الأساسية العامة الواردة في البيان والتي لا تشكل سوى نقاط الإنطلاق للبحث. هل يمكن لهذه المناقشات أن تنتج سياسات صالحة وبديلة للسياسات القائمة حاليا؟
عموما ينظر إلى الحركة العالمية القائمة ضد سياسات منظمة التجارة الدولية أو المناهضة للعولمة، على أنها حركة غير متجانسة إلى أقصى حد وعلى أنها تشمل فاعلين ذوي انتماءات إيديولوجية وجذور مختلفة. ومن هنا يفترض أن هذا التنوع هو أيضا موجود في لبنان ضمن إطار الجمعيات الأهلية وهو أمر لا يجب إغفاله.
ما هي الإستراتيجيات التي يجب اعتمادها بغية ايصال الجدل إلى الجمهور وخاصة على المستوى القاعدي بغية الإفادة من مشاركة الفئات المهمشة والمقصية والفقيرة في المجتمع.
إن المبادرة الحالية والمناهضة لمنظمة التجارة الدولية يفترض أن تمثل بداية مسار طويل الأمد في عمل المنظمات غير الحكومية بمشاركة للمجتمع المحلي لا عملا محدودا مرتبطا بمؤتمر الدوحة فقط. وغنيا عن القول أن هكذا توجه يستلزم بلورة استراتيجية تعتمد إشراك شامل لقوى المجتمع وفئاته المتأذية من العولمة وخطط منظمة التجارة الدولية.