فشل مؤتمر جوهانسبورغ حول التنمية المستدامة وضرورة مراجعة أولويات واستراتيجيات عمل الهيئات الأهلية التنموية والبيئية
حظي مؤتمر التنمية المستدامة الذي انعقد في جوهانسبورغ ما بين 26 آب و 4 أيلول باهتمام بالغ من قبل خبراء وأخصائيي التنمية والبيئة والنشطاء على الصعيد العالمي، كما على الصعيد اللبناني وإن كان بنسبة أقل. كما استأثر بتغطية واسعة من قبل وسائل الاعلام كافة، لا سيما المكتوبة منها.
والملفت انه قبل انعقاده، سرت توقعات عديدة تنبّأت بفشله وعدم قدرته على الوفاء بالآمال المعقودة عليه وعجزه عن تقديم العلاجات الناجعة لحلّ جملة المشاكل البيئية والتنموية والانسانية الملحّة التي تحيط بكوكبنا الأرض.
انعقد المؤتمر بعد مرور 10 سنوات على قمة الأرض الأولى التي التأمت في "ريو دي جينيرو" في البرازيل والتي أسفرت وقتئذٍ عن اطلاق جملة مبادرات دولية رائدة في مجاليْ البيئة والتنمية المستدامة كاعتماد "أجندة 21" واقرار اتفاقيتيّ كيوتو والتنوع البيولوجي.
تأمل الكثيرون أن يؤدي هذا المؤتمر الدولي الجديد الى تعزيز العمل البيئي والتنموي على الصعيد العالمي عبر الخروج بخطة عملية لمعالجة قضايا الفقر وتدهور الأوضاع البيئية، وخصوصاً تلك المشكلات التي تواجه دول الجنوب النامية والأشدّ فقراً. ومن وجهة نظر الناشطين والناشطات البيئيين والخبراء إضافة إلى بعض مسؤولي الدول، يقاس التقدم في هذه المجالات بمدى تحقيق أهداف محددة. لذا سعى الجميع الى دفع المشاركين والمشاركات في المؤتمر إلى اعتماد أهداف واضحة قابلة للقياس في كل من محاور العمل والبرامج الطموحة التي اعتمدت قبل 10 سنوات.
لكن النتائج جاءت برأي الكثيرين مخيّبة للآمال واعتبرت تراجعاً عن اليسير الذي تمّ انجازه في الماضي.
التأم المؤتمر على مدى 10 أيام وتوّج باجتماع قمّة لرؤساء الدول المشاركة دام يومين. وقد سبق المؤتمر وواكبه منتدى عالمي موازٍ للمنظمات غير الحكومية شارك فيه نحو 30,000 ناشط وناشطة ينتمون الى منظمات وهيئات وجمعيات وحركات بيئية ونسائية واجتماعية وغيرها. أما المؤتمر الرسمي، فحضره مندوبون يمثّلون 195 بلداً ونحو 9,300 مشارك، منهم 4,100 مندوب رسمي و2,100 صحفي.
سبق انعقاد المؤتمر مؤشرات عديدة تنبأت بالفشل، ان لم يكن بالمراوحة، أبرزها:
1-السجل الباهت لتنفيذ المقررات السابقة
2-غياب الارادة السياسية لدى الحكومات عموماً، لا سيما حكومات الدول الصناعية وتعارض مصالحها مع طموحات الفقراء والناشطين البيئيين
3-خرق الولايات المتحدة لشبه الاجماع العالمي حول مسائل البيئة والتنمية الأساسية وتفرّدها بقرارات أحاديّة الجانب خدمةً لمصالحها، ومن أبرز تلك القرارات إصرارها على عدم توقيع اتفاقية كيوتو
4-ضعف مواقف حكومات دول الجنوب عموماً
5-عدم التوصل الى اتفاق بين أبرز الفرقاء خلال أعمال مؤتمر "بالي" التحضيري حول الحد الأدنى من الاقتراحات التي تضمن احراز تقدم في المسار المأمول.
كما كان متوقعاً، قاومت الدول الصناعية اجمالاً وبقوة، خصوصاً الولايات المتحدة اعتماد أي قرارات دولية محددة الأهداف وملزمة. واستعاضت عنها بسلسلة مبادرات فردية أقحمت فيها كبريات الشركات الصناعية بصفة شريك أساسي. الا أنّه برز خلال المؤتمر تمايز بين موقفي الاتحاد الأوروبي من جهة والولايات المتحدة واليابان من جهة أخرى. فمواقف الاتحاد الأوروبي كانت تتصّف عموماً بقدر أكبر من الليونة في التعاطي مع عدد من الملفات الرئيسة، كمسألة الانحباس الحراري واتفاقية كيوتو التي يؤيّدها الاتحاد. لكن على الرغم التباين في بعض المسائل، فقد كان ثمة توافق بين الدول الاقتصادية الكبرى على عدم الالتزام بتقديم أية مساعدات اضافية كبيرة للدول النامية أو تقليص الاضرار بمصالح قطاعات المزارعين. والمعلوم أن القوى الاقتصادية الكبرى الغربية تمنح المزارعين في بلدانها دعماً مالياً يساوي 5 أضعاف المساعدات المقدمة للدول النامية. كما يُقرّ المسؤولون في تلك الدول أن هذا النوع من الدعم للمزارعين يسدّ أبواب تلك الدول أمام منتجات دول العالم الثالث، لا بل يؤدي إلى إغراق أسواقها بمنتجات البلدان الصناعية مما يلغي فرصة المنافسة. ويرى المراقبون في ذلك تناقضاً فاضحاً مع سعي الدول الصناعية الى فتح الأسواق العالمية أمام حرية التجارة وهو الأمر الذي يُعتبر احد ركائز مسار العولمة.
خرج مؤتمر التنمية المستدامة ببيان سياسي وخطة عمل طويلة من نحو 70 صفحةً. من أبرز بنودها:
1-الاقرار بضعف التقدم المحرز منذ مؤتمر ريو
2-اعادة التأكيد على المقرارات السابقة الخاصة بتمويل التنمية ومحاربة الفقر التي لم ينجم سوى توصيات غير ملزمة (راجع "مجال"- العدد العاشر حول مؤتمر مونتيري) وتشجيع حركة التجارة العالمية (راجع "مجال"- العدد الثاني حول مؤتمر الدوحة)
3-المياه والصرف الصحي: تعهدت الشعوب بخفض عدد السكان المحرومين من الصرف الصحي بمقدار النصف بحلول عام 2015، وهو العام ذاته المحدد كهدف لتوصيل المياه النظيفة لنفس العدد من سكان العالم. وتعهدت الولايات المتحدة بتقديم 970 مليون دولار للمشاريع المرتبطة بذلك خلال ثلاث سنوات. كما أطلق الاتحاد الأوروبي، مبادرة تسمى "المياه من أجل الحياة". وتلقت الأمم المتحدة 21 التزاماً آخر بقيمة 20 مليون دولار.
4-الطاقة: تعهد المشاركون بزيادة كفاءة الطاقة واستخدام الطاقة النظيفة، لكنهم لم يحددوا موعداً زمنياً أو أهدافاً، وتدعم خطة العمل خطة أفريقية لتوفير الطاقة لأكثر من ثلث سكان القارة خلال خمس سنوات لتعزيز استخدام الطاقات المتجددة ورفع كفاءة الطاقة في الدول الفقيرة. وأعلن الاتحاد الأوروبي عن شراكة قيمتها 400 مليون دولار، وقالت الولايات المتحدة انها ستستثمر 43 مليون دولار خلال العام 2003 كما تلقت الأمم المتحدة 32 التزاماًُ بالشراكة بقيمة مليون دولار.
5-الصحة: وافقت القمة على أنه بحلول العام 2020 سوف يتعين استخدام الكيماويات وتصنيعها بطرق لا تضر بالناس والبيئة. وأكدت الولايات المتحدة على خطط لانفاق 23 مليار دولار حتى نهاية العام 2003 على مشاريع الصحة وصندوق عالمي لمكافحة الايدز، والملاريا، والدرن، والأمراض الفتاكة الأخرى. وتلقت الأمم المتحدة 16 التزام شراكة بثلاثة ملايين دولار في شكل تعهدات.
6-الزراعة: قالت الولايات المتحدة أنها سوف تستثمر 90 مليون دولار العام القادم في برامج للزراعة المستدامة، وتلقت الأمم المتحدة 17 طلب شراكة بتمويل جديد قدره مليونا دولار.
7-التنوع البيئي: تعهدت دول العالم بخفض الخسارة في التنوع البيئي بحلول العام 2004 و "بتقليل كبير" في معدل انقراض الأنواع النباتية والحيوانية بحلول العام 2010 ، كما تعهدت أيضاً باعادة المصايد لأقصى إنتاجها المستدام بحلول عام 2015 وتأسيس شبكة من المناطق البحرية المحمية بحلول عام 2012، وأعلنت الولايات المتحدة عن مشروع للغابات بقيمة 53 مليون دولار من العام 2002 وحتى عام 2005، وتلقت الأمم المتحدة 32 مبادرة شراكة بقيمة 100 مليون دولار في شكل تمويل جديد.
ولدى الانتقال الى التحرّكات العربية واللبنانية خلال المؤتمر، يمكن ايجاز ما يلي:
1-لم يكن للحكومات العربية حضور وتمثيل بارزان خلال المؤتمر.
2- كانت تقارير الدول العربية، بشكل عام، مفعمةً بالتفاؤل وتفتقد الى الحسّ النقدي والأفق الشامل. وقد ركّزت بشكل رئيسي على انجازات الحكومات في المجالين البيئي والتنموي.
3-كان موقف الدول العربية من مسألة الانحباس الحراري وتنويع مصادر الطاقة ملازماً لمواقف الولايات المتحدة واليابان وغيرها من الدول الصناعية الكبرى، باستثناء المغرب الذي اعتمد موقفاً أكثر انسجاماً مع مواقف دول العالم الثالث. وقد شكّلت الدول العربية وبعض دول "أوبيك" النفطية كتلةً متراصةً عملت مع الولايات المتحدة وحلفائها على اعاقة اعتماد أي قرارات ملزمة لتطوير مصادر طاقة بديلة للنفط، وذلك خوفاً على مصالحها الضيقة.
4- برز خلاف داخل المجموعة العربية بين موقف الأردن ودول أخرى، مثل سوريا، ولبنان، والسلطة الفلسطينية اثر توقيع الأردن اتفاقاً مع اسرائيل حول مشروع لاحياء البحر الميّت تقدّر قيمته بمليار دولار. وقد اعتبرت اسرائيل هذا الاتفاق نصراً مدوّياً لها وأهم نتائج مؤتمر جوهانسبرغ فيما انتقده بعض الدول العربية لخروجه عن الاجماع العربي.
5-أطلقت جامعة الدول العربية مبادرةً اقليميةً حول التنمية المستدامة اعتبرها المراقبون مبادرةً اعلاميةً عديمة الفائدة.
6-على الصعيد الأهلي، لم يتعدَّ حجم المشاركة العربية 120 ناشطاً، 12 منهم من لبنان. وقد انصبّت جهود الهيئات الأهلية العربية وتحرّكاتها بشكل رئيسي على ابراز القضايا السياسية، مثل فلسطين والعراق وأثر الاحتلال الاسرائيلي على التنمية. وقد نجحت في اثارة رأي عام جنوب أفريقي وأهلي عالمي متعاطف مع تلك القضايا. الا أن تأثيرها على مجريات وأجندة المؤتمر كانت ضعيفة اجمالاً. وكذلك يُمكن الاشارة الى ان تلك الهيئات الأهلية تمكّنت من تجاوز خلافاتها الى حد ما والخروج ببيان مشترك تمّ توجيهه الى القمة حدّدت فيه تلك الهيئات مواقفها العامة من عدد من القضايا المطروحة.
7-لم يكن الموقف الرسمي أو الأهلي اللبناني متميزاً عن باقي المواقف العربية. فقد صرّح رئيس الوفد اللبناني الى المؤتمر وزير البيئة ميشال موسى غداة عودته عن رضاه عن المؤتمر واداء لبنان الرسمي، فيما انتقدت الهيئات اللبنانية المشاركة ضيق أفق الموقف اللبناني واختزاله لقضايا البيئة من وجهة نظر أولويات الحكومة الاقتصادية وجهودها لاجتذاب المساعدات للبنان.
وبعد هذا العرض السريع نشير إلى أن الكثير من الهيئات الأهلية وغير الحكومية المشاركة في المؤتمر عبر عن سخطه لنتائجه الضعيفة باستثناء بعض البنود العملية التي حازت على شبه إجماع المشاركين والمبادرات الفردية الزهيدة التي صدرت عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. إذ يمكن وصف المؤتمر بحوار الطرشان بين الدول الغنية والفقيرة.
ويبقى السؤال ما إذا كانت تلك الهيئات سوف تقوم بمراجعة أولوياتها واستراتيجيات عملها على ضوء هذا الفشل الأخير الذي يضاف إلى السجل غير المشجع للمؤتمرات الدولية المشابهة، أم تستمر بمراهناتها الخاسرة التي لن تؤتي أوكلها بالنسبة لأكثرية الفقراء في دول العالم الثالث؟