المنتدى المتوسطي الرابع للتنمية في عمان: مزيد من الوصفات الليبرالية وبوادر تراجع في الفعالية
لا شك أن معظم العاملين والعاملات في مجال التنمية يدركون الدور البارز، لا بل الأساسي، الذي بات يلعبه البنك الدولي في هذا الحقل إن على الصعيد العالمي، الوطني أو حتى القاعدي المحلي. ويعتقد الكثيرون أن دور البنك الدولي يكمن أساساً في تقديم قروض ميسّرة للبلدان الصغيرة والتي هي في طور النهوض لتمويل برامج ومشاريع إنمائية واجتماعية. كما أنه في غضون السنوات العشر الماضية تعاظم دور البنك الدولي في دعم توجيه برامج محاربة الفقر في العالم. ولكن قد يكون أحد أدواره والذي يسترعي أقل درجة من الانتباه هو تفعيله ودعمه للحوار والتفاعل بين أصحاب القرار والخبراء والعاملين والعاملات الميدانيين في شتى مجالات ومستويات سياسات التنموية. ويندرج في هذا الإطار إنشاء المنتدى المتوسطي للتنمية التي انعقدت دورته الرابعة قبل نحو شهرين وذلك ما بين 6 و9 تشرين الأول في عمان العاصمة الأردنية. ويعتبر البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (الشريك الثاني الرئيسي في المنتدى) المنتدى المتوسطي للتنمية، بمثابة فسحة لقاء وتفاعل بين مجموعة واسعة من الفئات المختلفة المشاركة التي تتراوح في تمثيلها من جهات رسمية إلى مراكز أبحاث وبيوتات خبرة وممثلي قطاع خاص وهيئات أهلية ومدنية. هذا وقد بلغ عدد المدعوين إلى المنتدى هذه السنة نحو 550 شخص جاؤوا من معظم بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (دول عربية، إيران وتركيا) والولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية (دول عربية، إيران وتركيا) والولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية (150 من الأردن، 70 من لبنان، 50 من مصر، 42 من فلسطين، 37 من المغرب و70 من الولايات المتحدة).
كان متوقعاً أن يعقد المنتدى المتوسطي للتنمية الرابع في نيسان 2002 الماضي، إلا أنه تأجل بسبب الإنتفاضة الفلسطينية والأحداث المضطربة في المنطقة العربية. وكما في كل مرة تعقد فيه إحدى تلك المنتديات، انكب المنتدى الرابع على مناقشة موضوعات تكون أحياناً الخلافية، وقد تمحورت حول 4 عناوين كبرى ألا وهي:
- التجارة والاستثمار والاقتصاد الجديد
- العمل والبطالة
- تعزيز سلطات الحكم المحلي
- دور ثقافة المعلومات والاتصالات في التنمية
وقد كلف بتنظيم تلك المحاور على التوالي كل من:
- منتدى البحوث الاقتصادية للبدان العربية وإيران وتركيا
- المركز المصري للدراسات الاقتصادية
- المركز اللبناني لدراسات السياسة
- مركز الأردن الجديد للدراسات
كما عقدت 6 جلسات خاصة تحت عنوان:
- نظرة شاملة إلى وسائل الإعلام تنظيم المغرب 2020
- المرأة العربية والمواطنة تنظيم المغرب 2020
- المسؤولية الاجتماعية للشركات تنظيم المؤسسة التركية للدراسات الاقتصادية والاجتماعية
- الشباب ومهارات المستقبل تنظيم مركز الأردن الجديد للدراسات
- وضع المرأة تنظيم مركز الأردن الجديد للدراسات
- المجتمع المدني والعولمة تنظيم المغرب 2020
كذلك نظّمت اجتماعات جانبية أخرى نوقشت خلالها مواضيع المشاركة في الحكم، جماعات الاهتمام المهني والمشترك، ورؤى مستقبيلة للمنتدى المتوسطي للتنمية.
وتبيّن مراجعة سريعة لبعض الأوراق المستوى العالي لهذه الأوراق وعمق القضايا التي تبرزها. الملفت أيضاً على صعيد تنظيم المنتدى اعتماد البنك الدولي وشريكه، برنامج الأمم المتحدة للتنمية، على عشر شركاء استراتيجيين هي عبارة عن مراكز أبحاث ودراسات أو ما يطلق عليه اسم "بيوتات خبرة".
وقد صدر بنهاية المنتدى بيان صحفي لخّص النقاشات التي دارت في الجلسات كما تضمّن أهم الاستنتاجات التي توصل إليها المشاركون والمشاركات.
عموماً، لم تأتِ نتائج تحليل الواقع والاستنتاجات حولها بأي جديد في المحاور الأربعة الرئيسة التي تم التركيز عليها. ويلاحظ أن استنتاجات المنتدى قريبة جداً من تلك التي تضمنها تقرير التنمية الإنسانية العربية التي سبق وسلّطنا الضوء عليها في العدد الماضي وجاءت التوصيات عامة ومفعمة بنفس ليبرالي يدعو إلى تسريع عملية الانخراط في مسار العولمة الحالي دون تردد عبر تطوير النظم التعليمية، و تحرير سوق العمل من القيود، وزيادة النمو الاقتصادي لمحاربة البطالة، ودعم اللامركزية، ورفع درجة الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات والتواصل الحديثة. وتشير عملية رصد أعمال المنتدى، حتى ولو عن بعد، لبعض ما رشح عن أجواء المناقشات كما تدل على أن بعض الجلسات قد حفلت بآراء ومواقف، وإن ما زالت أقلية، يمكن وصفها بالمنشقة عن التيار السائد. وأبرز من مثّل هذا التيار المتميّز وزير المال اللبناني السابق جورج قرم الذي تساءل عن جدوى بعض طروحات البنك الدولي الداعية إلى اقتصاد المعرفة في وقت ترزح أعداد كبيرة من شعوب المنطقة تحت ثقل الفقر والأمية.
كذلك انتقد قرم التركيز المفرط على اعتبار النزاعات المعيق الأساسي للتنمية، مشيراً إلى عدة أمثلة من العالم حيث تحقّقت فيها التنمية في ظل أجواء خيّمت عليها النزاعات لفترات طويلة. وبالمناسبة، دعا قرم الاتحاد الأوروبي لإعادة جدولة ديون بلدان المنطقة والبالغة 250 مليار دولار، كما وجه اللوم للقطاع الخاص لضعف حيويته واتكاله على القطاع الحكومي ومقاومته للتغيير. وختاماً، نشير إلى أن بعض المراقبين يرى أن المنتدى المتوسطي للتنمية بدأت تعتريه بعض مظاهر الترهل حيث لوحظ ركود في فعاليته نتيجة تراجع في مشاركة أصحاب القرار في المنتدى. وقد لوحظ أيضاً الضعف الشديد للتمثيل الأهلي القاعدي وطغيان تمثيل الخبراء والمصالح الاقتصادية الخاصة المرتبطة بمجالات اهتمام البنك الدولي.
وللمزيد من المعلومات حول المنتدى وأوراقه، يمكن مراجعة الموقع الإلكتروني: www.worldbank.org/mdf