شراكة أمريكيّة-شرق أوسطيّة على وقع قرع طبول الحرب
وسياسة مساعدات أميركية جديدة تتوخّى تغيير الأنظمة والسلوكيّات!
في خطوة غير مفاجئة وواضحة المدلولات، اعتمدت الادارة الأميركية مؤخراً سياسة جديدة لتقديم مساعدات ترتكز أساساً على فرض شروط تأهيل ضمنية للافادة من المساعدات الأميريكة للتنمية الخارجية اجمالاً. وقد ترافق اعتماد تلك السياسة التي وُصفت بالفظّة بمبادرة جديدة أخرى مكمّلة لها دُعيت بالشراكة الأميركية – الشرق أوسطية تستهدف المنطقة العربية وتتزامن مع تصاعد التهديدات والاستعدادات الأميركية لضرب العراق وقلب نظام حكمه واعادة صياغة الخريطة السياسية في المنطقة.
في موضوع المساعدة الأميركية عامةً، أعلن وزير الخزانة الأميركية في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أن بلاده بصدد الانتهاء من وضع معايير جديدة للحصول على المساعدات من شأنها توفير قدر أكبر من المحاسبة ومن الانفتاح الداخلي على الصعيدين السياسي والاقتصادي وفقاً للرؤيا السياسية التي تدعمها الولايات المتحدة.
وجاء قرار اعتماد هذه السياسة الجديدة على ضوء النتائج والاقتراحات التي وردت في تقرير بحثي أعدّته الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وصدر في العام الماضي حول الموضوع. وقد حملت الورقة البحثية عنوان المساعدات الخارجية في خدمة المصالح القومية للولايات المتحدة: الحرية والأمن والفرص الجديدة.
وقد استعرض التقرير خمسة عقود من المساعدات الأميركية من زاوية المصالح الأميركية وذلك بهدف رسم منظور لتحديات التنمية خلال العقدين المقبلين وبغية جعل المساعدات الأميركية أكثر فعالية. وقد خلصت الدراسة الى التّشديد على الرابط الوثيق بين الأمن القومي الأميركي والمساعدات الخارجية ويضمّ التقرير عدّة اقتراحات لصياغة سياسة مساعدات خارجية جديدة (التقرير على الموقع الالكتروني www.usaid.gov/fani.)، وفي تبرير السياسة الجديدة، أشار المسؤولون الأميركيون الى أن معظم النماذج المستخدمة لصرف مساعدات التنمية تخطّاها الزمن. ويقول مسؤول بارز في الادارة الأميركية أن التجربة تظهر أن مساعدات التنمية عندما تصرف في مناخ سياسي سيّئ لا تكون فعّالةً بل مضرّة، اذ تُطيل تلك السياسات أمد المعاناة وتدفع لهروب رؤوس الأموال الخاصة.
وبناءً على ذلك، سوف تأخذ االادارة الأميركية في الحسبان من الآن فصاعداً 16 معياراً يعتمدها البنك الدولي حالياً والذي تعتبره الادارة الأميريكة مرجعاً في هذا المجال. كذلك، تنوي اعتماد معايير أخرى صادرة عن معاهد الدراسات السياسية المقرّبة من الرئيس بوش، على غرار مؤشر الحرية الاقتصادية الصادر عن Heritage Foundation. وستضمّ المعايير الـ16 ستة معايير في مجال ادارة الشؤون العامة ومكافحة الفساد وأربعة في مجاليّ التربية والصحة وستة في مجال الحرية الاقتصادية.
وسيسمح احترام هذه المعايير بمكافأة الدولة التي تستخدم المساعدات لتحسين أنظمتها التربوية والصحية لتشجيع العمل الحر وفتح الحدود أمام التجارة الدولية.
وتأتي هذه المبادرة بعد اعلان الرئيس الأميركي بوش في آذار 2002 وابّان مؤتمر تمويل التنمية الذي عُقد في مونتيري/المكسيك، عن زيادة حجم المساعدة الأميركية للتنمية بنسبة 50% من 10 مليارات الى 15 مليار دولار بين عامي 2004 و2006 وستخصّص الاعتمادات المالية الاضافية التي ستنجم عن المبادرة التي تُعرف بتحدّي الألفية لصندوق خاص وسيتمّ توفيرها للدول التي ستطبق عليها المعايير الأميركية. وحول ذلك، ترى الادارة ألا يتعدّى عدد هذه الدول في أول سنة الخمسة عشر دولة كما علم أن المساعدات لن تحوّل للحكومات فحسب بل للمنظمات غير الحكومية وشرعات خاصة أيضاً.
أخيراً، وعلى الرغم من أن هذه السياسة الجديدة المعتمدة سوف توجّه أولاً اعتمادات صندوق تحدي الألفية الجديد، الا أنّها ستستخدم أيضاً، فيما يبدو، كاطار عام ارشادي بالنسبة للقسم الآخر من المساعدات الأميركية الجارية.
أما على صعيد المنطقة العربية، فقد بادر وزير الشؤون الخارجية باول في 12/12/2002 بالاعلان عن مبادرة أميريكة جديدة لاقامة شراكة مع الشرق الأوسط تهدف الى المساعدة على تحقيق التقدم الاقتصادي والانفتاح الديمقراطي في الدول العربية. وقد صرّح الوزير باول أن هدف المبادرة هو وضع الولايات المتحدة بقوة الى جانب التغيير والاصلاح والى جانب مستقبل الحداثة في الشرق الأوسط. وأضاف باول الذي كان يتحدّث في مركز Heritage Foundation أن المبادرة تتركّز على 3 أعمدة أساسية هي الاصلاحات الاقتصادية، والانفتاح السياسي والاجتماعي خاصةً بالنسبة للمرأة وأخيراً التربية. ودعا الدول العربية الى الانفتاح سياسياً قائلاً ان الكثير من سكان الشرق الأوسط ما زلوا محكومين من أنظمة مغلقة وأن مشاركة سياسية متنامية تتطلّب تعزيز المؤسسات المدنية التي تحمي حقوق الأفراد وتقدم امكانية المشاركة في الحياة العامة، وأضاف أن هذه المبادرة ستقدّم الدعم الى مواطني هذه المنطقة الذين يريدون اسماع صوتهم على المستوى السياسي، موضيحاً أن المبلغ المرصود، وهو 29 مليون دولار أميركي، ليس سوى البداية وأنه سيطالب بزيادته في العام المقبل، معتبراً أن هذا المبلغ يُضاف الى المساعدة الاقتصادية الأميركية الحالية للدول العربية التي تصل الى مليار دولار. وقد أوضح مسؤولون أميركيون آخرون أنه سيُعاد النظر في المساعدة الاقتصادية الحالية لتصبح موجّهةً أكثر نحو مشاريع تساعد على الاصلاحات.
وحول المبادرة، ذكرت مساعدة وزير الخارجيّة الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ليز تشيني أن باول تناول مطوّلاً في خطابه تقرير الأمم المتحدة حول التنمية الانسانية في العالم العربي بهدف شرح الوضع القائم وابراز العقبات التي تواجهها شعوب الشرق الأوسط في تحقيق التقدم الاقتصادي، والانفتاح الديمقراطي، وتحديد ما يمكن للولايات المتحدة القيام به لمساعدة الجهود المبذولة على هذا الصعيد في المنطقة. وأشارت تشيني الى أن الأسلوب الذي سيُعتمد على صعيد تمويل هذه المشاريع سيكون مستوحى، كما قال باول، من أسلوب انشاء المؤسسة التي أطلقت في القاهرة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي بتمويل من الحكومة الأميركية والبنك الدولي والقطاع الخاص وتتولى تقديم قروض للمؤسسات الصغيرة في المناطق الفقيرة من العاصمة المصرية.
وذكرت أن في المنطقة حالياً فريقاً أميركياً يعمل على تحديد صيغٍ أخرى لايصال التمويل الأميركي الذي سيتسنّى لكل دولة في المنطقة الاستفادة منه بالتركيز على الدول التي لا تستفيد من برنامج المساعدات الأميركية للتنمية.
ومضت تقول ان الدول التي تحصل حالياً على مساعدات التنمية الأميركية مثل مصر والأردن واليمن والمغرب والمناطق الفلسطينية ولبنان بامكانها أيضاً الافادة من المشاريع التي ستعدّ في اطار مبادرة الشراكة الأميركية – المتوسطية، لكن الحكومة الأميركية تريد أيضاً أن تشمل في اطارها الدول غير المستفيدة من المساعدات الأميركية. وضرب مثالاً أن المملكة العربية السعودية مهتمّة بالانضمام الى منظمة التجارة العالمية، وان من الممكن في اطار الشراكة الأميريكة – المتوسطية ايجاد صيغة لمساعدة السعودية على اجراء الاصلاحات الاقتصادية المطلوبة من أجل انضمامها الى المنظمة.
والجدير ذكره أخيراً أن المسؤولين الأميركيين يرون أن اطلاق الشراكة الجديدة المقترحة بات أمراً ملحاً منذ تاريخ 11 أيلول لضرورة مواجهة الكراهية والحقد تجاه الولايات المتحدة واللذين ينبعان من المنطقة.