الولايات المتحدة وبريطانيا تضربان عرض الحائط بكل الاحتجاجات وتغزو العراق
فهل ترقى التظاهرات العالمية والعربية لمستوى الحدث؟
مع انطلاق العدوان الأميركي البريطاني على العراق والمنطقة العربية، انتاب العديد من أصقاع العالم شعور بالعجز والإحباط نتيجة عدم قدرة شعوب العالم، عامةً، المناهضين للحرب، خاصةً، من تلافي حدوثها. إلا أن المقاومة القوية التي أبداها الشعب العراقي والنظام الحاكم سرعان ما بدّد هذا الشعور ولو جزئياً، وكذلك فعلت الاحتجاجات الرسميّة والشعبية المناهضة للحرب في العراق والتي تقاطعت إلى حد بعيد مع الحركات المناهضة للعولمة.
أدّى تزايد التهديدات الأميركية البريطانية ضدّ العراق منذ بداية العام إلى بروز تصدّع في المواقف الرسميّة الدولية بين مؤيّد ومعارض والى تنامي الاحتجاجات الشعبيّة ضدّ استعداد الولايات المتحدة للتفرّد في إدارة شؤون العالم. في تلك الأجواء، جاء انعقاد المنتديين الاقتصادي والاجتماعي العالميين في كل من دافوس - سويسرا، وبورتو أليغري – البرازيل.
أمسى انعقاد المنتديين علامة سنويّة فارقة في التطوّرات السياسيّة العالميّة، كما أصبح يشكّل فرصة للتركيز على القضايا الاقتصادية والاجتماعية في العالم ولاجراء نقاشات وحوارات على مختلف المستويات الرسمية والمدنية والأهلية حول مسار العولمة.
التأم المنتديان هذه السنة على وقع طبول الحرب، الأمر الذي انعكس انعكاساً مباشراً على جدول أعمالهما وأجوائهما، ولو من زاويتين مختلفتين. ففي دافوس، حيث انعقد المنتدى الاقتصادي العالمي بين 23 و27 كانون الثاني/يناير وذلك للمرة الثالثة والثلاثين، خيّم جوّ من القلق والتجهّم رافقه طيلة فترة انعقاده. وللتذكير فان المنتدى الاقتصادي عاد هذه السنة إلى منطلقه بعد أن كان قد انتقل العام الماضي، لسنة واحدة، إلى نيو يورك تعبيراً عن التضامن مع الولايات المتحدة وفي محاولة لتعزيز الثقة بالنظام الاقتصادي العالمي وبقيادة الولايات المتحدة له. لكن ما يلفت الانتباه التراجع في مستوى الثقة في الأوساط الاقتصادية العالمية منذ منتدى 2002. وقد جاء عنوان المنتدى هذه السنة – بناء الثقة – بعد أن كان تعزيز الثقة تعبيراً عن هذا التراجع الذي يبدو مستغرباً نظراً لبوادر التحسّن في الأداء الاقتصادي العالمي والتي ظهرت خلال 2002 ولو بدرجات متفاوتة بالنسبة لكبرى الاقتصادات العالمية. ونذكر في هذا السياق أيضاً أن الاقتصاد الأميركي كان قد خطا خطوات حثيثة نحو الانتعاش، باعثاً التفاؤل في أوساط القطاعات الاقتصادية والرسمية.
ركّز المجتمعون في دافوس والذي ناهز عددهم ألفي شخصٍ جاءوا من 99 دولةً على مسائل متّصلة بهاجس الحرب، مثل سلامة الإمدادات النفطية، والانعكاسات المحتملة للحرب على اقتصاد العالم، تعزيز الثقة في الشركات العالمية الكبرى، وسبل دعم التجارة العالمية كأفضل خيار بالنسبة للبلدان النامية، إدماج الفقراء في التنمية الاقتصادية المستدامة، مساهمات قطاعات الأعمال في حل المشاكل العالمية كالفقر، والبيئة، والصحّة.
تضمّنت قائمة المشاركين 233 شخصية رسمية منها 24 رئيس دولة و82 وزيراً و37 زعيماً دينيّاً و71 ممثلاً عن منظّمات غير حكوميّة و172 خبيراً وأكاديمياً و239 وجهاً عاماً و264 ممثلاً للصحافة والاعلام وأكثر من ألف وسبعمائة شخصٍ يمثّلون الشركات وقطاعات الأعمال.
برز خلال اللقاء شرخ واضح بين واضعي السياسات وممثّلي الشركات، وأيضاً بين واضعي السياسة الأمريكية وحلفائهم من جهة، وباقي السياسيين.
تعرضت الولايات المتحدة لانتقادات لاذعة حول موقفها من القضية العراقية. وفيما اعتبر الكثير من الدول، حتى اقرب حلفائها بالأمس، موقفها غير عادل راى القسم الاعظم انها في مواقفها تقدم الاعتبارات السياسية والعسكرية على المعالجات الاقتصادية السليمة مضيفين ان الازمة العراقية تصادر قدرتهم على المبادرة وحتى التخطيط. وقد ظهر جليّاً التباعد بين مسؤولي الولايات المتحدة ودول أوروبا واستياء هؤلاء الآخرين من موقف الأولى تجاههم والذي رأوا فيه تهميشاً لأوروبا. فهي برأيهم تظهر كقارة تابعة للولايات المتحدة ولا اكثر من شريك ثانوي يمكن الاستغناء عنه. كذلك اتسم موقف أصحاب الأعمال بالقلق تجاه المستقبل لا سيما أن النتائج المالية لكبرى الشركات كانت حتى الآن مشجعة جداً وان الحرب سوف تقوض الجهود التي بذلوها خلال السنوات القليلة الماضية لاصلاح اوضاعهم الداخلية.
من جهته، حرص وزير النفط السعودي علي النعيمي على توجيه رسالة اطمئنان إلى الأسواق العالمية حول استمرار الإمدادات النفطية مؤكداً التزام بلاده ومنظمة الاوبك عموماً بسد أي ثغرة في إمدادات النفط ومنع حدوث أي زيادة كبيرة في الاسعار. كذلك أكد رئيس شركة ارامكو السعودية أن بلاده مستعدة لزيادة إنتاجها إلى مستويات قصوى محافظةً على توازن السوق الدولية في حال وقوع حرب ضد العراق.
في الناحية المقابلة, طغى موضوع العراق ايضاً وكذلك قضية فلسطين على غيرهما من قضايا الفقر والتنمية التي حفل بها جدول أعمال المنتدى الاجتماعي العالمي.
المنتدى الاجتماعي العالمي لعام 2003 هو الثالث منذ إنشائه عام 2000 وقد حظي هذه السنة باهتمام متزايد وسجل مشاركة كبيرة جداً تجاوزت المائة وعشرين ألف شخص. وقد انتهى المؤتمر بإعلانه الرفض المطلق للحرب ودعوته إلى تشكيل أوسع ائتلاف إقليمي ودولي لمنع حدوث الحرب على العراق. وقد شارك في أعمال المنتدى الذي نظم في الفترة نفسها نحو خمسمائة برلماني يساري وممثلو اكثر من خمسة آلاف منظمة غير حكومية جاءت من نحو 179 دولة من جميع أنحاء العالم. وقد لقي كل من الرئيس البرازيلي لولا والأرجنتيني شافيز اللذين حضرا المنتدى، استقبالاً حاشداً ودعم كبير من المشاركين والمشاركات.
وفي ختامه, أعاد المنتدى تأكيد مواقفه السابقة المناهضة للعولمة ورفضه لسياسات الدول الصناعية الثمانية ومطالبته بحذف ديون الدول الفقيرة والعمل من اجل حقوق المرأة والتاكيد على اهمية تطوير الشبكة العالمية للحركات الاجتماعية. أما حول العراق، فقد قرر المنتدى تعيين يوم 15 شباط يوماٍ عالمياً للتضامن مع العراق ومناهضة الحرب على أن يتم تكرار الاحتجاجات والتظاهرات ضد الحرب في 15 آذار الذي يليه. اخيراً، اتفق المشاركون والمشاركات على أن يعقد الاجتماع المقبل للمنتدى عام 2004 في الهند.
منذ بورتو الليغري توالت التحركات الشعبية المناهضة للحرب على نحو شبه يومي وكان أبرزها تلك التظاهرات التي نظمت في عواصم ومدن كبرى الدول الاوروبية والاسلامية والعربية وحتى الامريكية. لكن على الرغم من ملايين الأصوات المنددة، ضربت الولايات المتحدة وحلفاؤها عرض الحائط، ليس فقط، بكل تلك الأصوات بل ايضاً بأكثرية مواقف دول العالم والقوانين الدولية خدمةً لمصالحها الخاصة وبحجة تحرير العراق.
تتذرع الدولتان المعتديتان بنصرة الشعب العراقي وبالسعي لتلبية احتياجاته الإنسانية وبإعادة اعماره بعد تدميره! ليس ثمة تقدير واحد وثابت لحجم الأضرار التي ستنجم عن الحرب أو لتكلفتها. لكننا نشير إلى أن حكومة الولايات المتحدة طالبت الكونغرس بنحو 80 مليار دولار لتمويل الحرب في المرحلة الأولى. أما الأضرار على العراق، فيمكن أن تبلغ مائة مليار دولار ناهيك عن حجم الضحايا البشرية التي تقدر بالآلاف وبالكارثة الانسانية المحتمة. ولتبيان سخف الادعاءات الإنسانية الأمريكية، سنورد بعض مقارنات لأرقام أساسية. أولاً، تقدر قيمة الإمدادات النفطية العراقية حالياً بنحو 11 مليار دولار سنوياً اي ان اعادة اعمار العراق سوف يتطلب نحو 10 سنوات. ثانياً، لا يزيد حجم المساعدات الدولية للتنمية عن 50 مليار دولار سنوياً. وكانت بريطانيا قد طرحت مؤخراً رفعها بنحو 50 مليار دولار إضافية لمساعدة فقراء العالم ولبلوغ الاهداف التي رسمتها الامم المتحدة والقاضية بخفض حجم الفقر في العالم بنحو النصف مع حلول عام 2015. بكلامٍ آخر، فان تكلفة الحرب على العراق ستتجاوز احتياجات محاربة الفقر في العالم لفترة سنتين.
أمام هذا الواقع المؤلم والذي لم يعد خافياً على الكثيرين نتساءل إلى متى يمكن للعالم أن يتحمل تسلط الدولة العظمى على مقدرات العالم وقراراته. أما على صعيد العدوان على العراق، ما هي آفاق تطور حركتي مناهضة العولمة والحرب على العراق؟ وهل تتمكّن الحركتان من التكاتف ونصرة الشعوب المستضعفة مثل شعبي العراق وفلسطين على المديين القصير والمتوسط بصورة فعالة؟