بعد سقوط العراق في القبضة الأميركية البريطانية
مستوى الفقر الحالي للشعب العراقي سوف يستمرّ لسنوات عديدة
تسارعت الأحداث في العراق بعد مرور أسبوعين على بدء الحمل العسكرية الأميركية والبريطانية المشتركة للإطاحة بنظام الرئيس السابق صدام حسين. فقد تهاوت بغداد ومعها كافة المدن العراقية الأخرى فجأةً ودون مقاومةٍ تُذكر. فمعركة بغداد المصيرية التي وعد بها صدام حسين لم تحدُث، وتبخّرت أركان النظام السابق بين ليلةٍ وضُحاها. وسقط العراق وقدراته وتاريخه في القبضة الأميريكة البريطانية.
ولا شكّ أن الكثير من الغموض ما زال يُحيط بتلك الأحداث، وخاصةً سقوط النظام، كما أن ارتداداتها على المنطقة مستمرّة لن تنتهيَ قريباً. وفيما يحاول البعض في الأوساط الأهلية استخلاصَ العبر من تلك الأحداث الدراماتيكية، لا سيما جملة المآسي التي سبقتها ورافقتها، يسود حالياً شعور بالذهول والضياع من جرّائها وبالنكران واللامبالاة إزاء تبعاتها.
لكن متابعة سريعة لما نُشر حول الحرب على العراق، أهدافاً وآفاقاً وآثاراً، يمكن أن تساعد على استشراف بعض خيوط ما يخبّئه المستقبل للشعب العراقي. وسوف نحاول في هذه الافتتاحية القصيرة تسليط الضوء مرةً أخرى على بعض المعلومات المرتبطة بالحملة الأميركية البريطانية على العراق. وفيما يلي أبرز النقاط المستخلصة من آراء وتصريحات المعنيّين.
- حول الأهداف الاستراتيجيّة للحرب
تكمّل السيطرة على العراق دائرة الاستيلاء على منابع النفط وتمكّن أميركا من استغلال مخزونٍ قدره 11.25 مليار برميل. ويندرج الصراع للسيطرة على منابع النفط في إطار الصراع بين القوى الصناعية الكبرى على مصادر الطاقة وهي إحدى العلامات الأبرز في العلاقات الدولية خلال القرن الحالي. وفي هذا السياق، صرّح المسؤول السابق في الأمم المتحدة دنيس هاليداي في نهاية كانون الثاني الماضي أن واشنطن تسعى للسيطرة على النفط، وان أدّى ذلك إلى ابادة المجتمع العراقي. وأضاف أن احتلال العراق يضمن للولايات المتحدة تقليص اعتمادها على خام السعودية وهو أمر مطلوب منذ تصدّع العلاقة بين البلدين بعد 11 أيلول 2001.
وممّا يعزّز هذا التحليل تصريح لوزير الدفاع الأميركي بول وولفويتز في نهاية شهر أيار الماضي حين قال إن احتلال العراق كان يهدف أيضاً إلى إيجاد أرضيّة لسحب القوّات الأميركية في السعودية وهو قرار اتّخذته الولايات المتحدة فور إحكام سيطرتها العسكرية.
كذلك أشار رئيس لجنة الأمم المتحدة للمراقبة والتحقيق والتفتيش عن الأسلحة العراقية انموفيك في نيسان الماضي إلى انّه من المؤكّد أن الحرب على العراق قد خُطّط لها سلفاً ومنذ زمن بعيدٍ. واعتبر أن مسألة أسلحة الدمار الشامل ثانويةً وقد تكون جاءت في المرتبة الرابعة على لائحة أسباب الحرب. وفي مقال مطوّل لمراسل صحيفة هارتس الإسرائيلية من واشنطن، أكّد المراسل أن أحد الأهداف الأساسية للحرب على العراق هو تغيير تاريخ المنطقة وإعادة هيكلة الشرق الأوسط وصياغة الثقافة السياسية للمنطقة كلّها.
- السلم الأهلي في العراق
تمثّل منطقتا كركوك والموصل نموذجين للفسيفساء القومية والدينية والاثنية في العراق. ويبدو من تسارع الأحداث السياسية الداخلية أن الولايات المتحدة قد تكون قد قلّلت من أهميّة تلك الانقسامات في المجتمع العراقي التي أجّجتها سياسات الحقبة التاريخية الماضية. ومن أبرز الدلالات لسوء التقدير، الصعود السريع لدور القيادات الشيعيّة المحليّة على حساب أحزاب المعارضة التي تعاونت مع الإدارة الأميركية خلال تحضيراتها للحرب على العراق. وفي هذا السياق، نشير الى تقرير صدر عن منظّمة هيومان رايتس ووتش الأميركية حذّر من نتائج قلب نظام صدام حسين على الوضع في منطقتي كركوك والموصل ومن امكان اندلاع العنف بين السكان العرب والأشوريّين والتركمان والأكراد.
- تكلفة الحرب
أعلن مصدر في البنتاغون في 17 نيسان الماضي أن الحرب في العراق قد كلّفت أكثر من 20 مليار دولار حتى ذلك التاريخ. ويشمل هذا الرقم المبالغ التي أُنفقت على العمليّات العسكريّة (12 مليار دولار) والذخائر والإمدادات (3 مليارات دولار). كما يشمل المساعدات المالية الطارئة للأردن والباكستان (1.4 مليار دولار). وقدّر المسؤول حجم الإنفاق على القوّات العسكرية المرابطة في المنطقة بنحو ملياري دولار شهرياً. ويُذكر أن المراقبين كانوا قد قدّروا قبل اندلاع الحرب مجموع تكلفتها ما بين 50 و120 مليار دولار (راجع/راجعي مجال العدد السابق).
- عن إعادة الاعمار
بلغت العائدات النفطية السنوية العراقية وفقاً لمعهد جيمس بايكر نحو 10 مليارات دولار يُنفق معظمها على شراء الأغذية والاحتياجات الأساسية. وكشف التقرير أن إعادة تأهيل الآبار المنتجة وتطوير حقول جديدة للوصول بالإنتاج إلى مستوى 6 ملايين برميل يومياً سيستلزم استثمارات جديدة خارجية ضخمة تتراوح بين 30 و40 مليار دولار. أما مستوى الإنتاج النفطي الحالي فلا يتعدّى 1.5 مليون برميل يومياً والطاقة الإنتاجية النظرية 2.5 مليوناً. غير أن كثيراً من المراقبين يشكّكون بامكان رفع مستوى الإنتاج إلى طاقته القصوى الحالية دون استثمارات جديدة قد تبلغ 5 مليارات دولار.
من جهة أخرى، قدّرت شركة ايكزو تيكس في لندن حجم الديون الخارجية للعراق بما يتراوح بين 100 و130 مليار دولار. ويمكن لحجم المستحقّات المالية العراقية أن ترتفع إلى 400 مليار دولار إذا ما احتسبت التعويضات الناجمة عن حربي الخليج الأولى والثانية، إضافةً إلى عقود جارية مستحقّة لروسيا. وليس هنالك بعد أي تقدير شامل لاحتياجات إعادة البناء، الا ان إعادة بناء البنية الأساسيّة للطاقة الكهربائية وحدها قد تكلّف 20 مليار دولار.
يبدو جليّاً من كل هذه الأرقام أن المستقبل الاقتصادي للعراق سوف يبقى قاتماً لعقود وأن المستوى المعيشي للشعب العراقي لن يطرأ عليه أي تحسين ملحوظ لسنوات عديدة. وفي غياب أي أمل في تحقيق فوائض مالية من النفط (السلعة الرئيسة للعراق) أو اجتذاب استثمارات مالية ضخمة من الخارج، فان الاقتصاد العراقي مقدّر له أن يبقى تبعيّاً وملحقاً.
- التعليم
وأخيراً، يحظى تغيير النظام التعليمي في العراق بأهميّة خاصة ويأتي في رأس أولويّات الإدارة الأميركية. وقد أفاد مسؤولون أميركيّون أن تلك الإدارة تطمح إلى إحلال نظام تعليمي يكون خالياً من التوجّهات القوميّة للنظام السابق. ولهذا الغرض، قامت إدارة الاحتلال بتلزيم عقدٍ أوليٍ قيمته 65 مليون دولار لشركة Creative Associates الأميركية التي تعمل في الأردن ولبنان، تحت عنوان إعادة إحياء المدارس العراقية واستقرار التعليم.