مجلس الشورى يقبل طعن الرابطة المارونية بمرسوم الجنسية لعام 1994
التجنيس ملف سياسي معقد ومفتوح ينتظر قانوناً عادلاً
بعد تسع سنوات على تقديم الطعن بمرسوم التجنيس، اصدر مجلس الشورى في نهاية شهر ايار الماضي قراراً طالب فيه وزارة الداخلية اعادة النظر في طلبات التجنيس والتأكد من صحتها وقانونيتها والعمل على الغاء غير القانونية منها.
استأثر قرار مجلس الشورى بردود فعل كثيرة تراوحت بين مرحب بحماس وآخر بحذر. لكن اللافت في الامر هو عدم صدور اي موقف معارض مما يعني ان كافة القوى السياسية تقر بوجود مخالفات كبيرة استدعت قرار المجلس.
وجدير بالذكر ان مرسوم التجنيس موضع الطعن كان صدر في 1994 أبان نهاية ولاية رئيس الجمهورية الياس الهراوي. وقد قضى المرسوم بإعطاء الجنسية اللبنانية لعشرات الآلاف من الاشخاص دفعة واحدة وفي خطوة كان يفترض فيها تصحيح الغبن التاريخي الذي لحق بكثير من الاسر التي ظلت لسنوات بدون جنسية.
وكما في كثير من الحالات المتشابهة في لبنان، عندما يتعلق الامر بالوقائع، يعاني هذا الملف من تضارب الأرقام وغياب الإحصاء. وعند صدور المرسوم وبعده لم ينشر اي احصاء رسمي حول عدد المجنسين الجدد وجاءت الارقام متضاربة بحسب مصدرها. فالوزير السابق بشارة مرهج الذي كان من الموقعين على المرسوم ذكر أخيراً في مقابلة صحفية ان كل الارقام التي تعطى خاطئة، وان العدد الصحيح للمجنسين هو 159.641 وفقا لطريقة الاحتساب التي استخدمها بعدئذ. واضاف مرهج انه في تلك العملية الحسابية استند الى عدد صفحات المرسوم (1280) وافترض ان كل صفحة تتضمن 31 سطراً وكل سطر عائد لعائلة واحدة معدل افرادها 4 اشخاص. وقد تم بعدئذ مراجعة دقيقة للاسماء وصولا الى الرقم المبني اعلاه. (النهار 10/5/2003)
اما وزير الداخلية الاستاذ ميشال المر، الذي عين بعد صدور المرسوم، فقد قدّر عدد المجنسين بنحو 160.000 مجنس (110.000 مسلم، و50.000 مسيحي).
من جهتها، تراوحت ارقام الجهات المعترضة على المرسوم بين 240.000 و400.000 مجنس فيما قدرتها دراسات مستقلة بحدود 200.000 الى 225.000 مجنس.
على الرغم من اللغط الذي يحيط بمجموع عدد المجنسين والمجنسات، اشارت بعض المصادر الى توزعهم على اربع فئات: المكتومين (3.5%)، اهالي القرى السبع (15.6%)، حاملي وثائق قيد الدرس (18.7%). هذا ويجمع المراقبون ان المنتمي الى هذه الفئات يمكن اعتباره من الاطراف المغبونة التي تستحق الجنسية بشكل عام. اما القاطنين او المجنسين من التابعية الاجنبية فقدر حجمهم بنحو (62.2%). واللافت ايضا في هذه الارقام الفرق الشاسع بين تقديرات 160.000 كحد ادنى و400.000 كحد اقصى. ويذكّر هذا الفرق في الارقام بالتباين الذي يحصل عامةً في تقدير العدد الاجمالي لسكان لبنان الذي يتفاوت بين 3 الى 4 ملايين نسمة. وايا كانت الارقام، فالاكيد ان مرسوم التجنيس قد ادى الى زيادة عدد اللبنانيين بما يتراوح بين 5 الى 10% دفعة واحدة.
جاء قرار مجلس الشورى بمثابة تسوية بين طلب الرابطة المارونية التي رفعت الطعن والتي كانت تأمل بالغاء المرسوم وبين الموقف الرسمي الذي طالب برد طعن الرابطة لعدم اهليتها. ويبقى الابرز في قرار المجلس اعترافه بحق هيئة اهلية بالتقدم بطعن ضد قرارات حكومية الامر الذي من شأنه فتح المجال امام هيئات اهلية للقيام بمبادرات مشابهة في قضايا حقوقية اخرى.
تكتسي هذه القضية بعدين بالغي الاهمية احدهما سياسي والثاني اجتماعي. البعد السياسي الاول مرتبط بحسابات انتخابية ضيقة. اذ تم بعد 1996 توزيع المجنسين كألوية دعم انتخابية صبّت في رصيد هذا المرشح او ذاك وتم تسجيلهم في لوائح الشطب في اماكن معينة دون ان يكون هؤلاء جزأً من الاهالي الاصليين. اما البعد السياسي الثاني والاهم فمرتبط بالهوية اللبنانية وبتوازنات التركيبة الطائفية وخوف الطوائف المسيحية من طغيان الاكثرية الاسلامية. وتستحضر قضية الفئات المغبونة ملفاً آخراً هو المطالبة باعادة الجنسية للمغتربين اللبنانيين الذين هم في اكثريتهم مسيحيين.
اما البعد الآخر فهو من دون شك اجتماعي. فمنذ صدور قرار مجلس الشورى نشر عدد من المقالات حول الآثار المحتملة والمدمرة التي ستصيب اسر الذين ستنزع عنهم الجنسية. والمعلوم ان الالاف من المجنسين قد بادروا منذ البدء بالتكييف مع مفاعيل مرسوم التجنيس والتصرف على انهم لبنانيون. فمثلا، قام العديد منهم بالتملك وايجاد فرص عمل ثابتة. كذلك دفع الكثير منهم الاشتراكات لصندوق الضمان الاجتماعي الذي باتوا يستفيدون من خدماته. كما قام الكثير من ابنائهم بالخدمة العسكرية ورفع البعض الى رتب عالية في الجيش. ويتساءل العديد منهم بقلق عن مصير الزوجة الاجنبية التي اكتسبت الجنسية اللبنانية بفعل الزواج ايضا واولادها.
صحيحاً انه من غير المقبول ان يحوذ احد على الجنسية اللبنانية بطريقة الغش الا ان نزعها عن هؤلاء سيؤدي الى كوارث اجتماعية تفرض على الدولة اجراءات لتخفيف اضرارها. ويتساءل بعض المراقبين هل يجوز تحميل مسؤولية اخطاء المرسوم وعدم العودة عنه طوال 9 سنوات الى اولاد المجنسين؟
منذ صدور قرار مجلس الشورى سجل تطوران بارزان في هذا الملف. الاول اعلان وزير الداخلية الياس المر في نهاية حزيران الماضي عن نيته تأليف لجنة لمعالجة ملف التجنيس تتألف من قضاة وضباط في القوى الامن الداخلي والامن العام وموظفين من مديرية الاحوال الشخصية. وقد اوضح المر ان اللجنة ستجري تحقيقات امنية وقضائية وستدرس كل ملف على حدى قبل اتخاذ القرار المناسب. اما الخطوة الثانية التي اعتبرها البعض تطوراً ايجابياً نحو انصاف الاجانب المقيمين في لبنان فكان اعلان المديرية العامة للامن العام مباشرتها اعتباراً من 1/7/2003 منح اقامات دائمة (3 سنوات) مجانية قابلة للتجديد للفئات التالية:
1- العربي والأجنبي من والدة لبنانية سواء كان قاصراً ام راشداً
2- زوجة اللبناني اي كانت جنسيتها شرط ان تكون بدون عمل
3- العربي او الأجنبي المولود في لبنان اذا كان قاصراً ام راشداً ولكن يتابع دراسته
4- العربي او الاجنبي من اصل لبناني ويحمل جنسية ثانية تفرض عليه الحصول على اقامة في لبنان
5- الدبلوماسيون الاجانب الذين سبق وعملوا في لبنان ويريدون التقاعد فيه. هذا وقد استثنى قرار المديرية العامة للامن العام الفلسطينيين من كل مقتضياته.
التكهن بما سيؤول اليه عمل اللجنة التي سيعيّنها الوزير المر ليس امرا سهلا لكن الاكيد ان مسألة التجنيس سوف تبقى نقطة خلافية بين الاطراف اللبنانية طالما لم يتم اقرار قانون للجنسية وذلك تطبيقا لاتفاقية الطائف المعطلة التنفيذ. ان اصدار قانون بهذه الحساسية يتطلّب اجماعاً لبنانياً حول حاضر ومستقبل البلاد ليس متوفرا بعد. يبقى القول ان اي قانون للجنسية يفترض ان يتسم بالعدالة والمساواة وخصوصا المساواة بين الرجل والمرأة وان يراعي حق الاخيرة باعطاء الجنسية لاولادها. وفي هذا الشأن بينت الدراسة الاقليمية التي قام بها مركز الابحاث والتدريب حول قضايا التنمية حجم التعسف والمآسي الانسانية والاجتماعية التي تلحق بالمرأة اللبنانية وعائلتها من جراء الانتقاص من مواطنيتها. ويؤمل ان يشكل قرار الامن العام الجديد الخاص باعطاء اقامات دائمة للاجنبي من والدة لبنانية سابقة اولى في هذا الاتجاه.