افتتاحية
ابطال مجلس الشورى لقرار وزارة الداخلية بمراقبة الجمعيات بقي حبراً على ورق
على الرغم من اهميته الفائقة لم يحظ قرار مجلس الشورى الذي صدر في نهاية العام الماضي بإبطال مخالفة وزارة الداخلية لقانون الجمعيات بالاهتمام المناسب من أي من الجهات المدنية او الاهلية المعنية بالامر فظل حبراً على ورق.
قضى قرار مجلس الشورى رقم 135/2003-2004 والصادر بتاريخ 18/11/2003 عن الغرفة الاولى برئاسة رئيس المجلس القاضي الدكتور غالب غانم وعضوية المستشارين القاضيين ضاهر غندور وكارمن عطاالله بدوي وبخلاف رأى الادارة بابطال البلاغ رقم 17/4/ص بتاريخ 16/1/1996 الصادر عن وزارة الداخلية والموجه الى جميع الجمعيات المرتبطة بوزارة الداخلية لمخالفته القانون وتجاوزه حد السلطة. وجاء قرار مجلس الشورى على خلفية المراجعة التي تقدمت بها جمعية الدفاع عن الحقوق والحريات (عدل) التي يترأسها النائب المحامي غسان مخيبر في 1996 بعد ان رفضت وزارة الداخلية تسلم ملف الجمعية.
واكد القرار في حيثيته على حرية تأسيس الجمعيات المكرسة دستوريا ومصانة عبر قانون الجمعيات العثماني الصادر عام 1909. والاهم في القرار انه اعتبر العلم والخبر مجرد بيان يقدمه مؤسسو الجمعية الى الادارة لاعطائها علما وخبرا بالواقع الملزمة بالمقابل تسليم المؤسسين ايصالا من دون ابطاء.
كذلك اعتبر القرار ان سلطة الادارة في حل الجمعيات مقيدة باصول واجراءات وتقتصر على ثبوت انحراف الجمعية عن الغايات التي اجيزت من اجلها بغية حظر قيام الجمعيات السرية ذات الاهداف غير المشروعة.
اما قرار وزارة الداخلية رقم 17/4/ص فقد نص على عدد من الموجبات منها اعلام وزارة الداخلية قبل شهر على الاقل عن موعد أي انتخابات تجريها الجمعيات ليتسنى للادارة التحقيق في اوضاع هذه الجمعيات والتدقيق في اسماء اعضائها وتكليف موظف من قبلها للاشراف على الانتخابات استنادا الى لوائح الناخبين المأخوذة من ملف كل جمعية.
كما نص القرار ابلاغ وزارة الداخلية بكل تعديل يطرأ على انظمة الجمعية الاساسي والداخلي وعلى هيئاتها الادراية تحت طائلة عدم الاعتراف باي تعديل يطرأ خارج اطار معرفة الادارة ورقابتها والمصادقة عليه، تحت طائلة سحب العلم والخبر في حال عدم تقيد الجمعيات المعنية بالتعليمات الواردة في البلاغ.
ومن الردود القليلة حول القرار بيان صدر عن جمعية عدل اعتبر القرار من اهم القرارات الصادرة عن مجلس الشورى مؤكداً اهمية الدور الذي يمكن ان يلعبه القضاء في حماية الحريات العامة وحقوق الانسان. كذلك اشاد التجمع الوطني للإنقاذ بالقرار الذي وصفه بالتاريخي. ودعا التجمع الجمعيات وسائر المواطنين الى ضرب الاوامر غير القانونية الصادرة عن وزارة الداخلية عرض الحائط. كذلك حذر من محاولات لسن قانون جديد للجمعيات والأحزاب من شأنه ان يشكل تراجعاً عن القانون الحالي. ونتيجة القرار اصبح بامكان الجمعيات ابتداء من تاريخ صدوره ان تجري انتخاباتها بدون مراقب من وزارة الداخلية. كما بات بامكانها ان تكتفي بايداع الوزارة المستندات اللازمة لتأسيسها دون ان يحق للوزارة رفض تلك المستندات. واذا رفضت ذلك يتم تسليمها عبر مباشر تابع للقضاء. كذلك على الوزارة اثبات انحراف الجمعية عن غاياتها الاساسية قبل اتخاذ قرار سحب العلم والخبر.
وفي تعليقها على قرار مجلس الشورى نقلت صحيفة السفير في عددها 24 كانون الاول الماضي عن مصادر في وزارة الداخلية ان القرار لا يعني شيئاً عملياً لان بلاغ الوزارة اجرائي يهدف الى تنظيم عمل الجمعيات. وتضيف المصادر ان عدم الرقابة تحول مسألة انشاء الجمعيات الى حالة من الفوضى!!
وردا على تعليق الوزارة يقول النائب مخيبر ان رفض وزارة الداخلية تسلم ملف الجمعية عام 1996 كان اجرائيا وسياسيا في الوقت عينه، لانها اعتبرت الجمعية سياسية ويلزمها ترخيص من مجلس الوزارء وذلك لا اساس قانونيا له. ويضيف ان الجمعية التي يرأسها لم تكن مستهدفة شخصيا لأن الوزارة فعلت الشيء نفسه مع جمعيات اخرى مثل الجمعية اللبنانية من اجل ديمقراطية الانتخابات وجمعية لا فساد. وبرأيه فإن الاعتبارات التي تقدمها الوزارة للرقابة على الجمعيات هي اعتبارات واهية ولا علاقة لها بمسألة التأكد ما اذا كانت الجمعية وهمية ام لا، واذا كان هناك من جمعيات وهمية تتلقى مساعدات من وزارات او ادارات رسمية في الدولة فإن وزارة الداخلية ليست الجهة المعنية باكتشاف ذلك. وبدلا من ممارسة الرقابة على الجمعية يجب ممارسة الرقابة على الهدر في الوزارات والادارات لمعرفة كيف توزع المساعدات، مؤكدا انه لا يمكن الحد من حرية الجمعيات الا بقانون وانه لا خطر من تكاثرها لانها علامة حيوية في المجتمع. واضاف مخيبر انه اذا كانت هناك جهات داعمة خاصة تعطى مساعدات لجمعيات وهمية فان الحق على الجهات الداعمة وليس على الجمعيات لانها لم تتأكد من كيفية صرف المساعدات التي تعطيها.