مبادرة الجامعة العربية للاصلاح والادارة الرشيدة في المنطقة
تقزيم للاشكاليات، معالجات بـ 18 مليون دولار وتغييب المجتمع المدني
كثرت في الاونة الاخيرة المبادرات الخارجية الداعية للاصلاح السياسي في الدول العربية ولاحلال الحكم الصالح فيها.
فبعد 11 ايلول وخصوصا غزو الولايات المتحدة للعراق، اطلقت هذه الاخيرة عدة مبادرات وبرامج لاحداث تغيير سياسي شامل في منطقة الشرق الاوسط. وتبعها في ذلك الاتحاد الاوروربي الذي اندرجت مبادراته في اطار الشراكة المتوسطية. من جهة اخرى وفي محاولة للتكيف مع الضغوط الخارجية، ارتفعت في اوساط الجامعة العربية وتيرة البحث حول موضوع الاصلاح السياسي وكيفية مواكبة التغيرات الدولية. في هذا الشأن عقد في مطلع الشهر الجاري مؤتمرا اقليميا على ضفاف البحر الميت في الاردن نظم تحت عنوان الادارة الرشيدة لخدمة التنمية في الدول العربية.
اجندة مؤتمر البحر الميت
جاء مؤتمر البحر الميت ترجمة لتوصيات ولقرارات مؤتمر القمة للجامعة العربية الذي انعقد في تونس في 2004 والذي اقر مبادرة للاصلاح السياسي في الدول الاعضاء.
وبناء على ذلك، اجتمع وزراء وممثلون عن 16 بلدا عربيا يومي 25 و26 ايلول 2004 في عمان لدراسة تفاصيل المبادرة المزمع اعلانها حول الارادة الرشيدة لخدمة التنمية. وفي ختام ذلك الاجتماع، وافق المشاركون على المبادرة وحددوا ستة موضوعات عمل تهدف الى معالجة ثلاثة ميادين اصلاحية مترابطة، الادراية والمالية والقضائية كما تقرر ان يعهد تنسيق كل محور من المحاور الستة المطروحة الى دولة عربية تعاونها جهة اجنبية (دولة او مؤسسة).
اما الموضوعات الست التي تم انتقاؤها (والدولة المنسقة) فهي:
- الخدمة المدنية والنزاهة ( المغرب)
- دور السلطة القضائية وتنفيذ الاحكام (الاردن)
- الحكومة الالكترونية والتبسيط الاداري واصلاح النظم الرقابية (الامارات)
- دور المجتمع المدني ووسائل الاعلام في اصلاح القطاع العام (لبنان)
- ادارة المالية العامة (مصر)
- توفير الخدمات العامة (تونس)
كذلك دعا الاجتماع برنامج الامم المتحدة الانمائي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للعمل مع الجامعة العربية على تنفيذ المبادرة المذكورة. وقد وافقت المنظمتان على ذلك وتعهدتا تقديم الدعم والمساهمة في تنفيذها ونجاحها على الصعيدين الفني والمالي.
حضر مؤتمر البحر الميت (الذي دعيت اليه مجال) نحو 500 مشارك من رؤساء حكومات وكبار الرسميين الحكوميين ومندوبي الدول الاجنبية الداعمة فضلا عن خبراء عرب ودوليين وممثلين عن الاعلام وعن بعض منظمات المجتمع المدني العربي ومنظمات دولية ( برنامج الامم المتحدة الانمائي، منظمة التعاون الاقتصادي، الاسكوا، البنك الدولي، مكتب الامم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة وغيرها).
كالعادة، بدأ المؤتمر بكلمات الوفود الرسمية العربية التي افاضت في الحديث عن مدى التقدم الذي احرزته بلادها في مجال الاصلاحات؟! وقد تخلل تلك الكلمات مداخلات للدول الغربية التي حثت على المزيد منها مبدية كل الاستعداد لمواكبة هذه الاصلاحات ودعمها.
تلا الجلسة الافتتاحية التي تجاوزت بكثير الوقت المخصص لها جلسات عمل حول المحاور الست المطروحة والتي توزعت على الوقت المتبقي من اليوم الأول وجزء من اليوم الثاني.
شملت الجلسات الحوارية مداخلات لخبراء اجانب تبعتها فسحة محدودة خصصت للنقاش لاتاحة الرد على ما تقدم. وانتهى المؤتمر باعلان اعد مسبقا كالعادة في مثل هكذا مؤتمر.
ملاحظات حول المؤتمر
- اتسم المؤتمر بالطابع الرسمي ولم يخفف من حدة ذلك كونه معدا اصلا لمعالجة الاصلاحات المتوجب ادخالها على اساليب الحكم والتغييرات اللازمة في طرق معالجة المشاكل، بهدف تحقيق قدر اكبر من المشاركة الاهلية والمدنية.
- طغى على المؤتمر الذي نظمته وزارة العدل في الاردن الطابع القانوني في غياب ممثلين عن الاطراف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعنية بالاصلاح.
- اما من حيث شعار المؤتمر، فلوحظ تعديل جوهري في تحديد المسألة المفترض معالجتها وهي الحكم الصالح Good Governance وذلك منذ بدء اطلاق المبادرة.
- في هذا الخصوص تم تعديل معنى مفهوم الحكم الصالح بحيث تمت ترجمته بالعربية الى الادارة الرشيدة (مع الابقاء على العنوان الاصلي باللغة الانكليزية) الامر الذي ادى الى افراغ الشعار من كثير من مضامينه. والمعلوم إن مفهوم الحكم (او الحاكمية) الصالح يختزن ابعادا تتجاوز بكثير تلك المرتبطة بالادارة الرشيدة، وهذا الاخير هو مفهوم اكثر اعتدالا وسلاسة بالنسبة للحكومات العربية. (فالحكم الصالح وفقا لاحد التعريفات: هي الاليات والسيرورة والمؤسسات التي يمكن من خلالها للمواطنيين افرادا ومجموعات التعبير عن مصالحهم وممارسة حقوقهم القانونية، الوفاء بالتزاماتهم تجاه الدولة وفض الخلافات ما بينهم ومع الدولة. وهو في ذلك يرتكز على مبادئ الشفافية والمساءلة والمساواة (هذا التعريف مستقى من مصادر الحكومة الاسترالية). وهكذا يبدو جليا من خلال قراءة هذا التعريف انه يتجاوز بكثير المضامين التي يشملها مفهوم الادارة الرشيدة.
- لدى مراجعة المحاور والموضوعات المطروحة، استرعى اهتمامنا ايضا غياب أي اشارة الى حقوق المواطنيين في المعرفة مثلا، او واجباتهم تجاه مؤسسات الدولة او آليات رفع دعاوي تظلم تجاه مؤسسة او مسؤولين في الدولة.
- لم يفرد لقضايا النساء أي موقع خاص في أي من المحاور. لكن اثارة هذا الموضوع من قبل بعض الوفود الرسمية ( خصوصا السودان) ادى الى اضافة موضوع تنمية المرأة على جدول محاور المبادرة.
- فيما يتعلق بالمجتمع المدني يمكن ابراز الملاحظات التالية: اولا انحصر افق انخراط منظمات المجتمع المدني في عملية الاصلاح في محور وحيد هو دور المجتمع المدني ووسائل الاعلام في اصلاح القطاع العام.
- اما لجهة التمثيل في المؤتمر فسجل تناقض بين الخطاب الرسمي الداعي الى اشراك المجتمع المدني في عملية الاصلاح وحجم المشاركة الضعيفة لمنظمات المجتمع المدني في المؤتمر. فمن مجموع 500 مشارك، تمثلت تلك المنظمات باقل من 35 مشاركا حضروا من عدد قليل من الدول العربية، (استاثر لبنان ومصر بالحصة الاساسية). ويشار ايضا الى إن نحو نصف هذا العدد هيئات اقتصادية ومراكز بحثية. بالمقابل كان حضور وسائل الاعلام لافتا اذ تمثلت باكثر من 120 مشاركا.
- وعلى الرغم من اعداد ورقة تعريفية حول منظمات المجتمع المدني في العالم العربي كجزء من عملية التحضير للمؤتمر، تبين إن معظم المسوؤلين العرب المشاركين ليس لديهم اضطلاع كاف على الدور الذي تلعبه تلك المنظمات في بلدانهم وفي شتى الحقول الاجتماعية والتنموية. قد يكون تفسير ذلك هو غياب وزراء الشؤون الاجتماعية وهم الادرى باوضاع ومساهمات منظمات المجتمع المدني.
لا مجال للشك إن هذه المبادرة الجديدة لا تفي بالمطلوب ولا ترتقي لمعالجة التحديات الكبيرة التي تواجهها المنطقة وشعوبها العربية، فهي تغفل القضية الرئيسية التي تتمثل بغياب الديمقراطية ومشاركة المواطنيين وقدرتهم على محاسبة مسؤوليهم. كما يشار الى إن النشاطات التي يخطط لتنظيمها ضمن هذه المبادرة على صعيد كل الدول العربية المشاركة جاءت خجولة جدا لا سيما ان الميزانية الاجمالية المرصودة لها بحدود 18 مليون دولار ستنفق على مدى 3 سنوات.
وختاما ليس مستغربا اغفال الحكومات العربية لحجم ونوعية الاصلاحات الجذرية المطلوبة لكن المثير للشكوك هو المباركة والدعم الغربيين لمثل هذه المبادرة فيما تتشدق الدول الغربية بالحديث عن الديمقراطية والدفاع عن الحريات العامة ودعم المجتمعات المدنية.