بعد منتدى بورتو أليغري: المجتمع المدني والأهلي في لبنان وتحديات العولمة
(بقلم عمر طرابلسي)
طغت الأحداث التي شهدها العالم بعد 11 أيلول على أجواء منتديي دافوس وبورتو أليغري وإن من زاويتين مختلفتين. فقد انعقد المنتديان العالميان الأول اقتصادي في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة والثاني اجتماعي ببورتو أليغري في البرازيل في آن واحد ما بين 31 كانون الثاني و5 شباط الماضيين للبحث في قضايا وشجون العالم ومشكلاته الاقتصادية والاجتماعية وخصوصاً الهوة السحيقة التي لا تزال تفصل بين معسكري الأثرياء والفقراء.
التأم منتدى الأثرياء الذي كان مقره في دافوس لـِ 32 سنة خلت، هذه المرة في نيويورك تعبيراً عن التضامن مع الولايات المتحدة وسكان مدينة نيويورك بعد الضربة التي تلقياها في 11 أيلول.
وقد حضر منتدى دافوس بنيويورك نحو 2700 شخص جلهم من مدراء أكبر 1100 شركة في العالم ونحو 300 شخصية سياسية عالمية و200 خبير أكاديمي و 300 إعلامي بارز. أما المشاركون الباقون فممثلون عن منظمات دولية وغير حكومية وعمالية. نظم المنتدى الاقتصادي العالمي تحت شعار: "القيادة في الزمن العسير: رؤية حول المستقبل المشترك"، وهو شعار رأى المنظمون فيه أنه يعكس قلقاً تجاه التحديات والمصاعب التي يواجهها العالم منذ أحداث 11 أيلول الماضي، إضافة إلى نتائج موجة الركود الاقتصادي العالمي التي تزامنت مع تلك الأحداث السياسية والعسكرية. وتركزت محاور المنتدى الرئيسة حول "تدعيم الأمن ومواجهة الأوضاع الهشة"، "إعادة النمو المستدام"، "خفض الفقر وتحسين قيمة الأصول"، "تقاسم القيم في ظل احترام التمايز"، "إعادة تقوية القيادة والحاكمية" و"تحديد تحديات الأعمال".
وفي الآن نفسه اجتمع أكثر من 50 ألف ناشط سياسي اجتماعي نقابي وبيئي قدموا من أكثر من 130 دولة في المنتدى الاجتماعي العالمي الثاني في بورتو أليغري للتعبير عن مناهضتهم للعولمة النيوليبرالية وتحت عنوان " تغيير العالم ممكن". عقد المنتدى الاجتماعي للمرة الثانية في البرازيل. وكان الاجتماع الأول للمنتدى الذي تأسس كنقيض لمنتدى الأغنياء بدافوس قد التأم في كانون الثاني 2001 في المدينة البرازيلية نفسها. وتوزع المشاركون، ومنهم ممثلين لأكثر من 5 آلاف منظمة، على مئات ورش العمل التي عالجت المحاور التالية:
1. إنتاج الثروات، التجارة والشركات المتعددة الجنسيات، والديون
2. قضايا الاستدامة، المعونات، وتوزيع مصادر المياه
3. المجتمع المدني، مراقبة وسائل الأعلام والتمييز
4. السلطة السياسية، حقوق الإنسان وحركة السلام.
كان الحضور العربي هذه السنة في المنتديين باهتاً بعض الشيء وخصوصاً في دافوس، على الرغم من استئثار قضايا الإرهاب والنزاع في الشرق الأوسط وفلسطين بقسط وافٍ من النقاشات خصوصاً في منتدى دافوس. وتمثلت الوفود الرسمية العربية بمنتدى نيويورك بالملك الأردني عبد الله والرئيس الجزائري بوتفليقة وأمير قطر وولي عهد البحرين ونائب رئيس الوزراء اللبناني عصام فارس والأمين العام للجامعة العربية وعدد من الوزراء الذين قدموا من الأردن والبحرين والسعودية والكويت وفلسطين وتونس والمغرب. أما الحضور العربي في بورتو أليغري، فضم نحو 50 مندوباً عن جمعيات أهلية عربية منضوية في أكثريتها تحت مظلة الشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية للتنمية. هذا وقد تمثل لبنان وفلسطين بأكثر من نصف الحضور العربي.
حظيت الحرب الأميركية ضد الإرهاب وكذلك النزاع في الشرق الأوسط والوضع في العراق بِمناقشات مطولة في نيويورك بما يعكس قلقاً لدى أصحاب الشركات وصانعي السياسة من التطورات الأمنية والعسكرية المتلاحقة وانعكاساتها المحتملة على الأداء الاقتصادي العالمي وعلى سوق النفط العالمية واستقرار الدول الإسلامية. أما في بورتو أليغري فقد برز التضامن والتعاطف العالميين مع فلسطين بأبهى صورتهما، حيث تمكنت الوفود الفلسطينية والعربية من الطرح بوضوح لوجهة النظر المناهضة لإسرائيل.
في ما يتعلق بالنتائج، من الضروري الإشارة إلى أنه ليست للمنتديين أية صفة تقريرية: ويُلاحظ أن اجتماعات منتدى دافوس غالباً ما تجري بعيداً عن الأضواء. أما بالنسبة لمنتدى بورتو أليغري، فقد صدر في ختامه بيان لخص مجمل نقاشات واقتراحات ورش العمل المتعددة التي عقدت خلاله.
تكمن أهمية الحدثين في كونهما يعكسان الاهتمامات والمواقف المتنوعة للأطراف المشاركة، وخصوصاً بالنسبة لمنتدى الأثرياء الذي يتسم بالتكتم الشديد. وفي ما يلي نعرض أبرز سمات ونتائج أعمال المنتديين:
1. منتدى دافوس بنيويورك:
- ساده جو من الإحباط واليأس حول كل من الأداء الاقتصادي الكلي وأداء الشركات لم تبدده البداية البطيئة لخروج الولايات المتحدة من الكساد.
- طغت الاهتمامات الأمنية والحملة على الإرهاب على مجمل أعمال المنتدى. وفي هذا السياق تم التوقف أمام أوضاع الدول الإسلامية وأهمية انخراطها في العولمة ومسألة حوار الحضارات.
- خيمت على المؤتمر أجواء السياسة الخارجية الأميركية ودورها في تغذية الإرهاب. وتعرضت الولايات المتحدة لانتقادات عديدة حول أحاديتها في فرض التعامل مع المشكلات العالمية، وطالت بعض الانتقادات علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل وابتعادها عن الأخذ بالاعتبار احتياجات الدول الفقيرة.
- صدرت تحذيرات كثيرة حول ضرورة أن تخضع الشركات والمنظمات العالمية لقدر أكبر من المساءلة، وإلا ستواجه باستياء متزايد من عموم الناس في الدول المتقدمة وكذلك الفقيرة.
- حذر أمين عام الأمم المتحدة من مخاطر أن ترتد العولمة عكسياً إن استمر تجاهل ملايين الفقراء حول العالم، وطالب بزيادة تمويل المساعدات الدولية لمكافحة الفقر.
- كذلك تضمنت توصيات منتدى دافوس الدعوة إلى فتح الأسواق أمام المنتجات الزراعية للدول النامية، وتأكيد دور المؤسسات المالية الدولية في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول الفقيرة، كما صدر تقرير عن دراسة حول تطور تقنية المعلومات والاستخدام المتصل بها على النطاق العالمي.
2. أما بالنسبة لمنتدى بورتو أليغري، فإضافة إلى المواقف التقليدية المناهضة للعولمة، سُجل عدد من الاقتراحات أبرزها:
- دعوة الدول النامية للتوقف عن سداد ديونها وترافقت تلك الدعوة مع الإدانة الصريحة التي صدرت عن المحكمة الشعبية العالمية للديون لكل من المؤسسات المالية العالمية والدول المتقدمة وحكومات دول العالم الثالث.
- الدعوة لتطبيق الديمقراطية داخل الأمم المتحدة أو اقتراح إنشاء هيئة أخرى قادرة على التدخل بشكل أفضل.
- إنشاء محكمة دولية للديون الخارجية لدول الجنوب.
- إنشاء برلمان عالمي للمياه وإعلان المياه والهواء وسائر الموارد الطبيعية الأساسية ميراثاً مشتركاً للبشرية.
- إقامة مرصد لأسعار الأدوية بغية تفادي استغلال مختبرات الأدوية الكبرى.
- إقامة مجموعة دول 8 جديدة تضم الهند والصين والبرازيل.
- وأخيراً، اتفق أن يتم تجذير هذه المقترحات في منتديات إقليمية يمكن أن تنظم السنة المقبلة في الهند وبيروت وإحدى الدول الأوروبية والأفريقية. كما اتفق أن يعقد المنتدى الاجتماعي الثالث مرة أخرى في بورتو أليغري خلال عام 2003.
وفي الختام، رأى المراقبون أن تطورات الأوضاع ما بعد 11 أيلول قد خيمت بظلالها على المجتمعين في منتدى دافوس خصوصاً الأوروبيين وممثلي المؤسسات الدولية وحتى أصحاب الشركات الكبرى. وقد دفع ذلك بالعديد من المشاركين إلى مراجعة الحسابات الأولية التي غالت في دعم الحملة العسكرية الأميركية وإلى إعطاء قدر أكبر من الاهتمام إلى القضايا والمسائل التي تعاني منها الشعوب المقهورة كقضايا الفقر والمسائل المرتبطة بتأثير العولمة.
من جهته نجح مؤتمر بورتو أليغري بالرغم من الكثير من الثغرات في فرض نفسه على أرض الواقع كعامل بارز في القضايا العالمية. لكن يبقى تساؤل مهم: هل ينجح ائتلاف فسيفساء القوى المنضوية تحت لواء مناهضة العولمة من التأثير الفاعل على السياسات الدولية، السياسية منها والاقتصادية؟
وبالنسبة للبنان، فثمة مسألة مركزية وملحة تواجه منظماته الأهلية (خصوصاً تلك التي تتمكن من المشاركة في هذا النوع من المؤتمرات) تتلخص في مدى قدرة هذه المنظمات على استيعاب التطورات المتسارعة في العالم وحشد الطاقات الشعبية للعمل على صياغة سياسات اقتصادية واجتماعية محلية أكثر نجاعة وعدالة.